الفتوى رقم: ٢٦١

الصنف: فتاوى الأسرة ـ عقد الزواج ـ الحقوق الزوجية ـ الحقوق المنفردة

في حكم إجبار الأمِّ ابنتَها على الإنفاق

السؤال:

أمٌّ تُطالِبُ ابنتَها المتزوِّجة بالإنفاق عليها وعلى أسرتها مِنْ مالها الذي تَدَّخِرُه لشراء بيتٍ، مع العلم أنَّها تقطن في مسكنِ والدةِ الزوجِ والأمُّ غيرُ محتاجةٍ، وهذا الإنفاق يكون على سائِرِ الأسرة بمَنْ فيها الإخوةُ والأخواتُ والأب الذي لا يعمل، وإِنْ عَصَتْ أَمْرَها فإنَّ والِدَتَها لا تكلِّمُها ولا تريد أَنْ تزورها، فهل هي آثمةٌ إِنْ لم تُعْطِ أمَّها ما تريد؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فاعْلَمْ أنَّ المرأة إذا خرجَتْ مِنْ وِلاية أبويها، وكانَتْ تحت عصمة زوجها؛ فهي مأمورةٌ بعدم التصرُّف في مالِهَا بالعطيَّةِ أو النفقةِ إلَّا بإذن زوجها؛ لقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم مِنْ حديثِ عبد الله بنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما: «لَا يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا»(١).

ولا يُفْهَمُ مِنَ الحديث المشهور: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»(٢) جوازُ أَخْذِ الأب مِنْ مالِ ابنِه ما يشاء بحيث يصرفه على نَفْسِه مِنْ غيرِ حاجةٍ إليه أو يُنْفِقُه على غيره كما شاءَ مطلقًا، بل هو مُقيَّدٌ بأَنْ يأخذ ما هو بحاجةٍ إليه ليس إلَّا، وكذلك الأمُّ فهي في حكم الأب أو أَوْلى؛ ودليلُ التقييد: حديثُ عائشة رضي الله عنها قالَتْ: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «إِنَّ أَوْلَادَكُمْ هِبَةُ اللهِ لَكُمْ، ﴿يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ ٤٩[الشورى]؛ فَهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ لَكُمْ إِذَا احْتَجْتُمْ إِلَيْهَا»(٣)؛ ويجوز لها ـ إذا كانَتْ رشيدةً وغيرَ سفيهةٍ ـ أَنْ تعطيَ وتَهَبَ لأمِّها دون أَنْ تضرَّ بنفسها وزوجِها؛ عملًا بعمومِ النصوص الآمرةِ بالإحسان إلى الوالدَيْن، وحتَّى تُطيِّبَ خاطِرَ أمِّها إكرامًا لها وبِرًّا وصِلَةً لها فلا تقطعها ـ ولو مع عَدَمِ علمِ الزوج ـ إذا فعلَتْ ذلك بالمعروف؛ لورودِ الأحاديث في الحثِّ على صدقة المرأة الصارفةِ مِنَ الوجوب إلى الاستحباب: كحديثِ جابرٍ رضي الله عنه المتَّفَقِ عليه وفيه: «فَجَعَلْنَ ـ أي: النساءُ ـ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ: يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ وَخَوَاتِمِهِنَّ»(٤)، وكذلك في الأحاديث الواردة في حَثِّ المرأة على النفقة مِنْ طعامِ بيتها مثل حديثِ عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «إِذَا أَنْفَقَتِ المَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا»(٥).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

 



(١) أخرجه أبو داود في «الإجارة» بابٌ في عطيَّة المرأة بغيرِ إذنِ زوجها (٣٥٤٧)، والنسائيُّ في «الزكاة» بابُ عطيَّةِ المرأة بغيرِ إذنِ زوجها (٢٥٤٠)، وابنُ ماجه في «الهبات» بابُ عطيَّةِ المرأة بغيرِ إذنِ زوجها (٢٣٨٨)، مِنْ حديثِ عبد الله بنِ عمرٍو رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٧٦٢٦)، وحسَّنه في «السلسلة الصحيحة» (٨٢٥).

(٢) أخرجه أبو داود في «الإجارة» بابٌ في الرَّجل يأكل مِنْ مالِ ولده (٣٥٣٠)، وابنُ ماجه ـ واللفظُ له ـ في «التجارات» بابُ ما للرَّجل مِنْ مالِ ولده (٢٢٩٢)، مِنْ حديثِ عمرو بنِ شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه عبد الله بنِ عمرو بنِ العاص رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «إرواء الغليل» (٨٣٨) و«صحيح الجامع» (١٤٨٦).

(٣) أخرجه الحاكم في «المستدرك» (٣١٢٣)، ومِنْ طريقه البيهقيُّ في «سُنَنه الكبرى» (١٥٧٤٥)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها. وصحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٢٥٦٤).

(٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «العيدين» بابُ موعظة الإمامِ النساءَ يومَ العيد (٩٧٨)، ومسلمٌ ـ واللفظُ له ـ في «صلاة العيدين» (٨٨٥)، مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.

(٥) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» بابُ مَنْ أَمَرَ خادِمَه بالصدقة ولم يُناوِلْ بنَفْسِه (١٤٢٥)، ومسلمٌ في «الزكاة» (١٠٢٤)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)