الفتوى رقم: ١١٩٤

الصنف: فتاوى الأسرة ـ انتهاء عقد الزواج ـ الطلاق

في حكم الأولاد في رجعةٍ مِنْ طلاقٍ قبل الدخول

السؤال:

أنا وزوجي ـ بعد خطوبتنا ـ قُمْنا بالعقد الشرعيِّ ـ أو ما يسمَّى عندنا بالفاتحة ـ وبالعقد المدنيِّ، وبَقِينَا على تلك الحالِ مِنْ غيرِ أَنْ يكون بيننا دخولٌ بالمَسيس، وبعد أَشْهُرٍ مِنْ ذلك تُوُفِّيَ عمِّي فأَمَرني زوجي بعدم الذهاب للعزاء؛ لكنِّي اضطُرِرْتُ لذلك مع أهلي فقام بتطليقي عبر الهاتف؛ فهل هذا طلاقٌ رجعيٌّ أم بائنٌ بينونةً كبرى، وإِنْ كان طلاقًا رجعيًّا فهل يستلزم عقدًا جديدًا أم يكفي أَنْ يعودَ ويراجِعَني.

المشكل هو أنه إِنْ كان يستلزم عقدًا جديدًا فهو قد راجعني مِنْ غيرِ عقدٍ آخَرَ ولم يُعْلِمْ أحدًا بالأمر؛ فهل هذا صحيحٌ؛ علمًا أنه أَتَمَّ مراحل الزواج، ونحن ـ الآنَ ـ متزوِّجان منذ ٦ سنواتٍ ولدينا طفلان، ولم أعلم باختلاف الآراء في الأمر؛ فهو قد أخبرني أنه استفتى والأمرُ جائزٌ، أنا ـ الآنَ ـ حائرةٌ وخائفةٌ؛ فهل زواجي معه صحيحٌ؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالطلاق بعد العقد وقبل الدخول يقع صحيحًا ويُحْتَسبُ طلقةً، وليس على المرأة عِدَّةٌ تعتدُّها، وليس له عليها رجعةٌ، وإنما يجب عليه عقدٌ جديدٌ ومهرٌ جديدٌ، أي: بكافَّةِ شروطِ انعقاد العقد.

بخلافِ ما إذا كان الطلاقُ حاصلًا بعد الدخول فإنه يجوز له ـ والحالُ هذه ـ أَنْ يُراجِعها في أثناءِ عِدَّتِها، ويُحتَسبُ له طلقةً.

أمَّا المعقود عليها غيرُ المدخول بها إِنْ طلَّقها فتَبِينُ عنه مباشرةً؛ لعدمِ وجودِ عِدَّةٍ تَعْتدُّها ـ كما تقدَّم ذِكرُه ـ لقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَكَحۡتُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمۡ عَلَيۡهِنَّ مِنۡ عِدَّةٖ تَعۡتَدُّونَهَاۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحٗا جَمِيلٗا ٤٩[الأحزاب].

وبناءً عليه، فإِنْ أراد أَنْ يعود إلى زوجته فيَلْزَمُه أَنْ يعقد عليها ـ مِنْ جديدٍ ـ عقدًا آخَرَ برُكنه وكاملِ شروطِ انعقاد الزواج، لكِنْ إِنْ أَرْجعَها الرَّجلُ مِنْ غيرِ عقدٍ جديدٍ ولا مهرٍ جديدٍ فقَدْ أَرْجَع امرأةً أجنبيَّةً تحت سقف الزوجيَّة بغير الصورة المَرْضيَّة شرعًا، وحيث قد أنجبَتْ معه أولادًا مِنْ غيرِ أَنْ يكون معهما عقدٌ يربط بينهما ـ تأسيسًا على فتوى المفتي ـ فهذا العقد الفاسد السابق يُعَدُّ وطءَ شبهةٍ، والأولادُ يُنْسَبون إليه لقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ»(١)، والعلاقةُ غيرُ المَرْضيَّة يتحمَّل وِزْرَها المفتي إِنْ أَفْتاهُ بغيرِ علمٍ ولا سندٍ مِنْ كتابٍ أو سُنَّةٍ؛ لقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «مَنْ أُفْتِيَ بِفُتْيَا غَيْرِ ثَبَتٍ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ»(٢).

والواجب ـ في هذه الحالِ لتصحيح العقد وإصلاحِ الوضعية الزوجية ـ: أَنْ تَستبرِئَ المرأةُ بحيضةٍ واحدةٍ ويعقد عليها الرَّجلُ مِنْ جديدٍ بجميعِ لوازم العقد ومُتطلَّباتِه.

نسأل اللهَ التوفيقَ والسداد والإصلاح.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٣ مِنَ المحرَّم ١٤٣٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٣ أكتــوبــر ٢٠١٧م

 



(١) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «البيوع» باب تفسير المشبَّهات (٢٠٥٣) وفي «الفرائض» باب: الولدُ للفراش، حُرَّةً كانَتْ أو أَمَةً (٦٧٤٩)، ومسلمٌ في «الرضاع» (١٤٥٧)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.

(٢) أخرجه البخاريُّ في «الأدب المُفْرَد» (٢٥٩)، وأبو داود في «العلم» باب التوقِّي في الفُتْيا (٣٦٥٧)، وابنُ ماجه ـ واللفظُ له ـ في «المقدِّمة» بابُ اجتناب الرأي والقياس (٥٣)، والحاكم في «مستدركه» (٣٤٩)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وحسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦٠٦٩).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)