تعقيب إدارة موقع الشيخ محمد علي فركوس -حفظه الله-
على تصريحات الشيخ يحيى الحجوري -هدانا الله وإياه-

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أمَّا بعد:

فقد اطلعت إدارة موقع الشيخ أبي عبد المعز محمَّد علي فركوس -حفظه الله- على الكلمة الصوتية للشيخ يحيى الحجوري -هدانا الله وإياه- المنشورة على مواقع الأنترنت والمنتديات على إثر سؤال طُرح عليه في مدى صحة ما ينسب للشيخ محمد علي فركوس -حفظه الله- من كونه يطعن في الدعاة القادمين من دار الحديث بدماج وكانت إجابته -عفا الله عنا وعنه- متضمِّنةً لأمورٍ تحتاج إلى بيان وتوضيح على الوجه التالي:

نسَب إلى الشيخ محمَّد علي فركوس -حفظه الله- التزهيد في السفر إلى دار الحديث بدماج، وكذا نقل عن بعض من يعرفه أن الشيخ -حفظه الله- يصف القائمين على المدرسة والطلبة بأنهم متحجِّرون.

وقد بيَّن الشيخ محمَّد علي فركوس -حفظه الله- بنفسه وعلى موقعه هشاشةَ هذه الأخبار، وجاءت تصريحاته -حفظه الله- مكتوبة منذ أزيد من سنتين ردّا على ما تداوله الإخوة اليمنيون من إشاعات آنذاك، نشرها على موقعه تحت عنوان: «افتراء في تزهيد الإقبال على الدراسة في دار الحديث بالدماج اليمن» وذلك بتاريخ: ٧ ربيع الأول ١٤٢٨ﻫ الموافق ﻟ: ٢٦ مارس ٢٠٠٧م.

ولقد كان ذلك في ابتداء الأمر محض افتراء، غير أنَّ الشيخ محمَّد علي فركوس -حفظه الله- قد لاحظ -في الآونة الأخيرة- من مركز الدماج من بعض رُوَّاده الطعن الحادَّ في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، وتحريم الدراسة فيها، والتنقيص من أساتذتها بعبارات نكرة شنيعة، والتعرضَ إلى بعض مشايخ دعوة الحقّ من أهل السنة، وكلَّ من خالف وجهة مركز الدماج في موارد الاجتهاد ومواضع الاستنباط بالتشنيع والمقت والإساءة بالقول، ولم يتوان خليفة الشيخ مقبل الوادعي -رحمه الله- في وصف بعض الدعاة المخالفين له في الرأي والاستنباط بالمفتونين والمتحزِّبين والمميّعين وغيرها من العبارات المنكرة.

كما لاحظ -حفظه الله- في زمن خلافة يحيى الحجوري بالتحديد -هدانا الله وإياه- استفحال داء التعالم في المتمدرسين بمركز الدماج على وجه التميّز، واستشراء «حبّ الشهرة» -إلاّ من رحم ربك-، وخاصة من الوافدين إلى ديارنا من هذا المركز المتشبِّعين بما لم يُعطوا نتيجة ضعف الإمداد السليم، وهمُّهم -بعد رجوعهم- التشتيت والوقيعة في أهل السنة ودعاتها في الجزائر وفي غيرها، يستثمرون الجهد في محاولة إدراك سقطات الدعاة وأخطائهم إن وجدت، أو يلوون نصوصهم ومقالاتهم على نحو تتوافق مع غرضهم من النيل منهم ليصلوا بواسطة الطعن إلى الشهرة المنشودة وتكوين الأنصار والأتباع، ولا تحلو لهم دراسة العلوم الشرعية والتمكن فيها كما يحلو لهم الإغارة على أعراضهم بالتدليس والتلفيق والتعمية ليجدوا متعهم في ضحايا التجريح ويطيروا بها في الآفاق.

إنَّ حقيقة المنهج الاستئصالي الذي يدعو إليه كلّ محروم الحلم والحكمة، المجانب للصواب هو الذي دفع بالشيخ محمد علي فركوس -حفظه الله- إلى التحذير بعدها من خطر تمزق صفّ أهل السنة والجماعة في بلادنا وسائر بلاد المسلمين بسبب المنهج الاستقصائي المخالف لمنهج دعوة الحق بالحكمة والبصيرة والمجادلة بالتي هي أحسن.

قال الإمام الذهبي -رحمه الله- في ردّه على المنهج الاستئصالي والإقصائي: «ولو أنّا كلّما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورًا له، قمنا عليه، وبدّعناه، وهجرناه، لما سلم معنا لا ابن نصر، ولا ابن منده، ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق، وهو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة»(١).

وقال ابن القيم -رحمه الله-: «..فلو كان كلّ من أخطأ أو غلط ترك جملة، وأهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات والحكم وتعطلت معالمها»(٢).

هذا، وما سلبيات عدوى التعالم وحبّ الظهور والشهرة إلا الشقاق والتنابز والفراق، قال الخطيب البغدادي -رحمه الله-: «وقد رأيت خَلقًا من أهل هذا الزمان ينتسبون إلى الحديث، ويَعدُّون أنفسَهم من أهله المتخصِّصين بسماعه ونقله، وهم أبعد الناس مما يدَّعون، وأقلّهم معرفة بما إليه ينتسبون، يرى الواحد منهم إذا كتب عددًا قليلاً من الأجزاء، واشتغل بالسماع برهة يسيرة من الدهر، أنه صاحب حديث على الإطلاق، ولمّا يجهد نفسه ويتعبها في طِلابِه، ولا لحقته مشقة الحفظ لصنوفه وأبوابه وهم -مع قلة كَتْبهم له، وعدم معرفتهم به- أعظم الناس كبرًا، وأشدّ الخلق تيهًا وعجبًا، لا يراعون لشيخ حرمة، ولا يوجبون لطالب ذِمَّة، يخرقون بالراوين، ويعنفون على المتعلمين، خلاف ما يقتضيه العلم الذي سمعوه، وضدّ الواجب مما يلزمهم أن يفعلوه»(٣).

انتقد الشيخ الحجوري -هدانا الله وإياه- الشيخ محمَّد علي فركوس -حفظه الله- في مسألة الانتخابات والاختلاط ناسبًا إليه القول بحليتهما مطلقًا، وكلتا المسألتين اتُهم فيهما الشيخ -حفظه الله- وحُمل كلامه فيهما على غير محمله، فأين ميزة أهل الحديث في الاستقصاء وشدَّة التحرِّي في إصدار الأحكام، وشدة التثبُّت المأمور به شرعًا في نقل الأخبار؟ وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: «كَفَى بِالمرْءِ إِثما أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ»(٤).

أمَّا مسألة الاختلاط فقد ألَّف الشيخ محمَّد علي فركوس -حفظه الله- رسالة بعنوان: «تقويم الصراط في توضيح حالات الاختلاط» بيَّن فيها أنه ليس في فتوى حكم الاختلاط أدنى تقرير على إباحة الاختلاط مطلقًا كما ورد في عنوان بعض المعترِّضين على الفتوى، وإنما هو تعسُّفٌ في التَّقوُّل، وضعفٌ في الفهم، وتقاعسٌ عن الاستفسار عن مواضع الشُّبهة تحلِّيًا بمنهج السلف في تحقيق عموم النصيحة الواجبة قبل ركوب نزوات النفس، ومحبةِ التصدُّر بالردِّ، ولا شكَّ أنَّ هذا الأمرَ يعكس بوضوح عن نوعيةٍ أخلاقيةٍ متدنية دون المستوى المطلوب، تضرب الأُمَّة بضرب رجالها الدعاةِ إلى الله بسهم الاستئصال والتفرقة، من حيث تشعر أو لا تشعر، لتحصيل شماتة الأعداء، تحت غطاء «درء البلاء»، قال الشيخ -حفظه الله-: «لذلك يتطلَّب الموقف الشرعيّ مني الاكتفاء بفتح ما أُغلق بإضافة توضيحٍ على الجوانب المُقْفَلة من الفتوى، وتعزيزِها ببعض فتاوى أهلِ العلم المعاصرين، استغناءً بها عن بذل المجهود فيما لا يسع تناوله بالردِّ لخروجه عن الإنصاف، وبُعده عن القول السديد، فضلاً عن المبالغة في إطراء المُعيل، وتحقير المتحامل عليهم بالتهجين والتنقُّص، قال أبو الطيب:

«وَمِنَ البَلِيَّةِ عَذْلُ مَنْ لاَ يَرْعَوِي    عَنْ غَيِّهِ وَخِطَابُ مَنْ لاَ يَفْهَمُ»

ثمَّ بيَّن -حفظه الله- أنَّ حالاتِ اختلاط النساء بالرجال على ثلاث وقد أخذ محتواها من فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله- فذكر:

• الحالة الأولى: الاختلاط بين المحارم: وهو مأذونٌ به شرعًا، ولا خلافَ في حِلِّيَّته، وكذلك الاختلاط بالمعقود عليهنَّ عقد زواج، فإنَّ هذه الحالةَ مُجمَعٌ عليها للنصوص الواردة في تحريم المحارم وفي الرجال الذين يجوز للمرأة إبداء زينتها أمامهم ...

• الحالة الثانية: الاختلاط الآثم الذي يكون غرضه الزنا والفساد فحرمته ظاهرة بالنصِّ والإجماع، ...

• الحالة الثالثة: الاختلاط بالأجانب في أماكن الدِّراسة والعمل، والاختلاط في الطرقات والمستشفيات، والحافلات وغير ذلك من المجالات، على وجهٍ يؤدِّي بطريقٍ أو بآخرَ إلى افتتان الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، فإنَّ حُكم الاختلاط فيه المنع وعدم الجواز؛ لاعتبار مآل تعلق كلّ فردٍ من الجنسين بالآخر، تعلُّقًا يفضي إلى ما تؤدِّيه الحالة الثانية من الفساد والفحشاء والمنكر، و«الوَسَائِلُ لَهَا حُكْمُ المَقَاصِدِ»، و«وَسِيلَةُ المَقْصُودِ مَقْصُودَةٌ». ولخص حالة بلدنا الجزائر -أو ما شابهه- من حيث ندرة الأماكن الخالية من الاختلاط الآثم قائلا -حفظه الله-: «غير أنَّ الإشكالية التي تفرض نفسَها في مسألة هذا النوع من الاختلاط الذي عمَّت به البلوى وخاصَّةً في الدِّيار الجزائرية إنما تفرضها على وجه الطرح التالي:

- هل الاختلاط يلحق إثمه مطلقًا لكِلا الجنسين، سواء وجدت الحاجة والضرورة لكِلا الجنسين أو انتفت عنهما؟ أو وجدت لأحدهما دون الآخر؟

- هل إثم الاختلاط يتقرَّر حكمه سواء أُمنت الفتنة أم احتُمِلت؟ وهل يتعلَّق الإثم بخصوص خروج المرأة واختلاطها بالرجل لمخالفتها للأمر بالقرار في البيت كأصل لها، ولا يلحقها إذا ما خرجت استثناءً من الأصل للحاجة أو الضرورة، مع التزام الضوابط الشرعية للخروج من البيت؟

- وهل يتبع الإثم الرجل المباشر لأصله مُطلقًا أم يلحقه سوى من جانب عدم احترازه منه وعدم اتخاذه للوسائل الوقائية من الوقوع في الفتنة والفساد من غضّ البصر، وتقوى الله في حدود الاستطاعة في التعامل معهنَّ، ووجاء الصوم، ونحو ذلك احتياطًا للدِّين وإبعادًا للقلب عن الميل إليهنَّ؟ هذه الإشكالات المطروحة هي محلُّ نظرٍ وتفصيلٍ» وبعد بحث وتمعن في الأدلة خلص -حفظه الله- إلى النتيجة التالية (صفحة: ٤١-٤٣):

«فالحاصل: أنَّ الواجب على الرجل أن يبذل جهده في البحث عن محلِّ عمل تنتفي فيه فتنة النساء أو تَقِلُّ، عملاً بقاعدة: «دَرْءُ المَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ المَصَالِحِ»، فإن لم يجد -وهو الغالب الأعم- فله أن ينتاب أماكن العمل ويشتغل بالتوظيف للتكسُّب والاسترزاق لوجوب قوام بدنه ولزوم النفقة عليه وعلى عياله، واختلاط المرأة به في محلِّ عمله لا يكون سببًا في تركه للعمل، ولا يلزم ترتب الإثم عليه إذا ما احتاط لنفسه، وكره الحال الذي هو عليه، وأنكره ولو بأدنى درجات الإنكار، حتى لا يكون راضيًا بالمعصية الحاصلة بالاختلاط، لقوله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «إِذَا عُمِلَتِ الخَطِيئَةُ فِي الأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا -وفي روايةٍ: فَنَكِرَهَا- كَمَنْ غَابَ عَنْهَا وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا»، ونظيره الاختلاط الذي تدعو الضرورة إليه وتشتدُّ الحاجة إليه وتخرج فيه المرأة بالضوابط الشرعية كما هو حاصل في أماكن العبادة ومواضع الصلاة ونحوها مثل ما هو واقع ومشاهد في مناسك الحجّ والعمرة في الحرمين فلا يدخل في النَّهي؛ لأنَّ الضرورة والحاجة مستثناة من الأصل من جهة، وأنَّ مفسدة الفتنة مغمورة في جَنْبِ مصلحة العبادة من جهة ثانية إذ «جِنْسُ فِعْلِ المَأْمُورِ بِهِ أَعْظَمُ مِنْ جِنْسِ تَرْكِ المَنْهِيِّ عَنْهُ» كما هو مقرَّر في القواعد العامَّة. أمَّا مَن خالف أصله في القرار في البيت أصالة، وخرج إلى أبواب الفتنة من غير مُسوِّغٍ، أو بدون ضوابط شرعية: من تبرج وسفور وعري وهتيكة، فهو أحظى بالإثم».

وهذا الذي أفتى به الشيخ محمَّد علي فركوس -حفظه الله- لم ينفرد به بل سبقه إليه علماء أجلاء منهم العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- كما في كتاب «لقاءات الباب المفتوح»(٥) حيث قال: «لا شكَّ أنَّ خلط البنين بالبنات في المدارس أمرٌ منكر وأنه لا يجوز، ولكن هذا ليس إلى الشعوب، هذا إلى الحكومات، والمسئول عنه الرئيس الأول في كلّ دولة، وهو الذي يحاسبه الله عزّ وجل يوم القيامة، فإذا لم يكن هناك طريق إلى إيصال العلم إلى الناس إلاَّ بهذه الطريق فليدرّس فيها، وليغضّ بصره ما استطاع بالنسبة لرؤية النساء، وليحرص هو بنفسه على أن يفرقهما؛ لأنَّ المعلم الأجنبي كالمدير تمامًا، يعني: هو في فصله يعمل ما يشاء فتنكره إذا دخلت أن يخفِّف من شأن هذا الاختلاط، وتقول للنساء: كُنَّ في الخلف جميعًا، والرجال كلهم في الأمام جميعًا، وليكن حازمًا في هذا، وهذا لا شك أنَّ فيه تخفيفًا من الشرِّ والبلاء» اﻫ.

وسئل -أيضًا- عن حكم الدراسة في المدارس المختلطة فأجاب: «فعلى كلِّ حالٍ نقول -أيها الأخ- يجب عليك أن تطلب مدرسةً ليس هذا وضعها، فإن لم تجد مدرسةً إلاَّ بهذا الوضع وأنت محتاجٌ إلى الدراسة فإنك تقرأ وتدرس وتحرص بقدر ما تستطيع على البعد عن الفاحشة والفتنة، بحيث تغضُّ بصرَك وتحفظ لسانَك، ولا تتكلَّم مع النساء، ولا تمرُّ إليهنَّ»(٦).

وقال الشيخ صالح بن الفوزان -حفظه الله-: «فيجب على المرأة المسلمة التي تخاف الله عزّ وجلّ أن تتقي الله، وأن لا تكلم الرجال بكلام يطمعهم فيها، ويفتن قلوبهم، وتجنب هذا الأمر، وإذا احتاجت إلى الذهاب إلى متجر أو مكان فيه رجال، فلتحتشم ولتستتر وتتأدّب بآداب الإسلام، وإذا كلمت الرجال، فلتكلمهم الكلام المعروف الذي لا فتنة فيه ولا ريبة فيه»(٧).

فهل يُنسب إلى الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- والشيخ الفوزان -حفظه الله- القول بحلية الاختلاط مطلقا؟ أم يقال إنهما يفرِّقان بين حالة أصلية حكمها الحرمة، وأخرى استثنائية عمّ فيها الاختلاط ولم تسلم منها جميع الأماكن من مدارس ومعامل حكمها الجواز؟ والقول بحرمتها تضييق وتعطيل لمنافع الناس ومصالحهم.

أمَّا مسألة الانتخابات فإنّ المعهود عن الشيخ محمد علي فركوس -حفظه الله-  منذ أمد بعيد القول بعدم جوازها وأنها من النظم الديمقراطية المستوردة من بلدان الكفر قد زاده بيانا في فتواه المعنونة ﺑ: «في حكم مشاركة المرأة سياسيًّا» حيث قال -حفظه الله-: «وعليه فالمشاركة في كلِّ ما خالف حكم الله الذي هو من مقتضى ربوبيته وكمال ملكه وتصرفه فهو اعتداءٌ وطغيان على من له الحُكم وإليه يرجع الأمر كلُّه قال تعالى: ﴿أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٥٤]، وهذا الاعتداء على حقّ الله سبحانه في الحكم يظهر جليًّا في جعل الشعب مصدر السلطة في النظام الديمقراطي الذي معناه: «حكم الشعب بالشعب من أجل الشعب» الذي يترتب على اعتقاده واعتناقه والعمل به المفاسد التالية:

۱- الوقوع في شرك الحاكمية وذلك بجعل الشعب شريكًا مع الله في الحكم وهو من شِرك الربوبية، ويتجلَّى ذلك عن طريق نواب الشعب المنتخبين الذين يظهر عملهم في سَنِّ وتشريع قوانينَ وضعيةً، وإلغاءِ أحكامٍ شرعيةٍ، حيث يُعرفُ الحقُّ في البرلمان بكثرةِ الأصابع والأيادي المرفوعة في المجالس النيابية، ولو كانت تأييدًا لما حَرَّمَهُ الله تعالى كالفواحش والمنكرات والشركيات والنوادي الليلية ومصانع الخمر وغيرها.

۲- اتهام الشريعة بعدم صلاحيتها كنظام حُكْمٍ، وعجزها عن إصلاح حياة الناس واستبدالها بنظام آخر.

۳- عدم مراعاة الضوابط الشرعية في المنتخَبين والمنتخِبين، فاشتراطُ العدالة منتفٍ فيهما، وهذا ولا شكَّ ينافي قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٣]، وقوله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾ [الطلاق: ٢]، وغير هذا من النصوص الشرعية.

لذلك يلاحظ الجَوْرُ وعدمُ العدل في الانتخابات في النظام الديمقراطي حيث تعتمد على المساواة بين صوت المسلم والكافر، والرجل والمرأة، والأمين والخائن، وصوت أهل الحلِّ والعقد وأهل اللهو والمجون، وقد حرَّم اللهُ مثلَ هذه المساواة في قوله تعالى: ﴿أَفَنَجْعَلُ المُسِلمِِينَ كَالمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [القلم: ٣٥-٣٦]، وقوله تعالى: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ المُتَّقِينَ كَالفُجَارِ﴾ [ص: ٢٨].

٤- التسابق السياسي يفضي بطريق أو بآخرَ إلى انتظام المسلمين ضمن أحزابٍ سياسيةٍ متنازعةٍ ومتناحرةٍ، يوالون عليها ويعادون، مضيِّعين لمبدإ الولاء والبراء للإسلام وهو أوثق عُرى الإسلام، كما يتخذون الحزبية -ضمن ما يمليه الدستور في النظام الديمقراطي- ليصلوا إلى الحقِّ بالباطل؛ لأنَّ «الغاية عندهم تبرر الوسيلة»، وهذه القاعدة الميكافيلية يهودية الأصل، وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- في كتابه «إعلام الموقعين» تسعة وتسعين دليلاً على تحريم الوسائل التي تؤدِّي إلى الحرام، وعليه فإنَّ الانتظام في أحزاب على هذا المفهوم ممزِّقٌ لجماعة المسلمين ومفرِّقٌ لكلمتهم ومُشتِّتٌ لوحدتهم، وقد قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٣]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٩]». إلاّ أنه -حفظه الله- استثنى انتخاب الرئيس من حكم الانتخابات البرلمانية والبلدية المحرَّمة لحاجة الناس إلى حاكم يسوسهم ويدفع تنازع الرعية وتفرقهم ولا يمكن ذلك في الوقت الحاضر إلاّ من هذا الطريق وبالقدر الذي ترفع به الضرورة «وإذا تعارضت مفسدتان وضرران قدّم أهونهما وارتكب أخفهما»، مع تفضيله عدم المشاركة فيها قائلاً -حفظه الله-: «ويحسن بالمسلم أن لا يكون من هذا القدر، لئلاَّ تتمَّ له مشاركة لهذا النظام المستبدل لشريعة الإسلام لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ حتى يلقى اللهَ بقلبٍ سليمٍ».

وهذا المأخذ عينُ ما أَخَذ به المحدِّث الألباني -رحمه الله- حيث قال: «نحن لنا موقفان من الانتخابات يبدو لمن لا علم عنده ولو لأول وهلة أنّ بينهما تناقضًا ولا تناقض:

الموقف الأول: أننا لا ننصح أحدًا من المسلمين أفرادًا كانوا أم جماعاتٍ أن يرشحوا أنفسهم لمثل هذه البرلمانات. والسبب عرفته آنفا...

الشيء الثاني: أننا نقول لعامة المسلمين في أي بلد كانوا: إذا كانت الدولة الحاكمة تفرض هذا النظام نظام الإنتخابات وهنا يتسابق أصحاب الأحزاب والآراء أن يتسارعوا إلى ترشيح أنفسهم والوصول إلى البرلمانات بأكثر عدد ممكن لحزبهم أو كتلتهم، في هذه الحالة إذا وُجِدَ بعض المسلمين رشحوا أنفسهم ونحن ننصحهم ألا يفعلوا، لكن لنا موقف آخر فنقول حينئذ: القاعدة الفقهية: «إذا وقع المسلم بين مفسدتين اختار أقلهما شرًّا»، البرلمان سيقوم على عُجره وبُجره شِئنا نحن معشر المسلمين أم أبينا، فهناك فرق كبير جدًّا بين أن يكون البرلمان كلّ أفراده غير مسلمين، وبين أن يكون كلُّ أفراده مسلمين فرق كبير جدًّا. ثمَّ فرق كبير بين أن يكون في الحالة الأخرى أن يكون المرشحين في البرلمان كلهم مسلمين لكن بعضهم صالح وبعضهم طالح، بعضهم يعمل لصالح الإسلام، وبعضهم يعمل لصالح شخصه أو كتلته أو حزبه، ولا يبالي عن مصالح الإسلام. فحينئذ على الناخبين من المسلمين أن يشاركوا في انتخاب الأصلح والأنفع للإسلام. في الوقت الذي نقول لا ينبغي لمسلم أن يرشح نفسه ويدخل البرلمان؛ لأنه في هذا إهلاك لنفسه وإقرار لمخالفته للشريعة. لكن ليس كلّ الناس في إمكاننا أن نقنعهم برأينا ولو كان صوابًا مئة بالمائة وسيكون هناك ما هو الواقع ناس آخرون لهم اجتهادات لهم آراء، بغضِّ النظر هل هم مصيبون أو مخطئون، هل هم أهل لأن يجتهدوا هذا هو الواقع، الواقع أنَّ كثيرًا من المسلمين الصالحين سيرشحون أنفسهم في البرلمانات، حينئذ نقول لأفراد المسلمين اختاروا هؤلاء على الأفراد المسلمين الغير صالحين وعلى الأفراد الكافرين من الشيوعيين وغيرهم. هذا أقل شرًّا من أن تقبعوا في بيوتكم وأن لا تشاركوا في اختيار نوابكم» [من شريط رقم: (٣٤٤) من «سلسلة الهدى والنور»].

مع ملاحظة أنَّ الشيخ محمَّد علي فركوس -حفظه الله- اقتصر على اختيار الحاكم لقيام حاجة الناس إليه مقام الضرورة ولا يجوِّز المشاركة في الانتخابات البرلمانية لوجود الفارق بينهما ولما تتضمَّنه من مفاسد أعظم من مصالحها.

نصح الشيخ الحجوري الشيخ محمَّد علي فركوس -حفظه الله- بعدم الإسهاب في علم الأصول، وإنَّنا نقول إنَّ اهتمامات الشيخ محمَّد علي فركوس -حفظه الله- بالعلم وميادينه متعدِّدةٌ وليست قاصرةً على «أصول الفقه» ففي العقيدة له شرح على رسالة ابن باديس -رحمه الله- الموسومة ﺑ: «العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية» منشورة في موقعه، -يسَّر الله طبعها-، وله بحوث فيها ردٌّ على شبهات قبوري يجيز تشييد المساجد على الأضرحة، نشرت ضمن الكلمات الشهرية بالموقع، ورسالة في ضوابط العذر بالجهل مطبوعة بعنوان: «توجيه الاستدلال بالنصوص الشرعية على العذر بالجهل في المسائل العقدية»، ورسالة أخرى في بيان الوسطية في الحكم بالتكفير بعنوان: «منهج أهل السنة والجماعة في الحكم بالتكفير بين الإفراط والتفريط»، وفتاوى في العقيدة مبثوثة في موقعه، وفي المنهج ألَّف كتابًا عَنْونَ له ﺑ: «مجالس تذكيرية على مسائل منهجية» طبع مرتين(٨)، وفي الفقه له سلسلتان: الأولى في «فقه أحاديث الصيام» تحتوي على أربعة أعداد، والثانية سلسلة:«ليتفقهوا في الدين» بها ثمانية أعداد من فقه أحكام المساجد، والطهارة، والأعراس، والمولود. وله مؤلف في «فقه المعاملات المالية»، وله في التزكية والأخلاق كتيب بعنوان: «الإخلاص بركة العلم وسر التوفيق»، وآخر بعنوان: «الإصلاح النفسي للفرد أساس استقامته وصلاح أمته»، وله في الذبّ عن العلماء والدفاع عن عقيدة أهل السنة والجماعة رسالة بعنوان: «دعوى نسبة التشبيه والتجسيم لابن تيمية وبراءته من ترويج المغرضين لها»، وأما مجالات العلوم الأخرى كعلوم القرآن، وعلوم السنة: فقد احتوتها فتاواه المنشورة في موقعه.

ويجدر التنبيه إلى أنه لا عيبَ على من اهتم بعلم الأصول إذ له مزيته ومكانته ففوائده «عديدة تُثبِت أهميّتَه وضرورة دراسته وتعلّمه والاطّلاع عليه، والتزوّد بقواعده، والتمرّس بأسلوبه، لتكون عند الطالب ملكة فقهية وعقلية تصحّح تفكيره وتُعبِّد الطريق أمامه للاستنباط والإدراك الصحيح والفهم التامّ، ليصبح قادرا على فهم الأدلّة واستخراج الأحكام منها، ومتمكّنا من فهم مرامي جزئيّات الفقه، فالفروع لا تُدرَك إلاّ بأصولها، والنتائج لا تُعرَف حقائقها إلاّ بعد تحصيل العلم بمقدِّماتها، فمن أتقن هذا العلم واستند إلى قواعده الصحيحة أمكنه التوصّل إلى إحكام الأحكام بأبلغ طريق مع طرف من أصول الدين بُغيَة العمل بتلك الأحكام الشرعية، ذلك لأنّ علم أصول الفقه إنّما يراد لفهم كلام الله تعالى وسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مرادهما، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بعد تعرّضه لدلالات الألفاظ: "ولهذا كان المقصود من أصول الفقه أن يفقه مراد الله ورسوله بالكتاب والسنة"»(٩)، كما ورد عن العلماء مقالتهم بـ: «أنّ جهلة الأصول عوامّ العلماء»، ونُقِل عن الشافعيّ -رحمه الله- قوله: «مَن لم يعرف القياس فليس بفقيه»، ومثله عن أحمد -رحمه الله-: «لا يستغني أحد عن القياس»(١٠).

أشاد الشيخ الحجوري -هدانا الله وإياه- في كلمته بالطلبة المتخرجين من مدرسة أهل الحديث بدماج واصفا إياهم بأنهم: «بعيدون عن الثورات والانقلابات، بعيدون عن الفتن، بعيدون عن الإفراط والتفريط، عن التميع، عن الغلو عن المسائل تلك التي تضر بدعوتهم».

وإذا كان هذا اللمز بطريق المفهوم -إن عناه- فإنّ المعلوم من دعوة الشيخ محمَّد علي فركوس -حفظه الله- أنها قائمة على الاعتدال والتقوى في الأشخاص والأعراض، ففي مقام التحذير من الانقلابات والتفجيرات قال -حفظه الله-: «وعليه، فإنَّ اتخاذ وسيلةِ التفجير والتدمير والتخريب والاغتيال والانتحار يهدم هذا الأصلَ المقاصديَّ ويخالف نصوص الشرع الآمرةَ بوجوب المحافظة عليه، ومن هنا يظهر أنَّ «الوَسِيلَة المحُرَّمة حرام»، و«الوَسيلة إلى الحرام حرامٌ»»(١١).

وقال محذِّرًا من الفتن: «ومن لوازم طاعتهم [أي: الحكام] –أيضًا-: عدم إهانتهم، وترك سبهم أو لعنهم، والامتناع عن التشهير بعيوبهم، سواء في الكتب والمصنفات والمجلات، أو في الدروس والخطب، أو بين العامة»(١٢).

وقال في معرض مدح أهل السنة والجماعة داعيا إلى الوسطية: «.. ومن أسباب الإفراط والتفريط عدمُ الاعتماد على الكتاب والسُّنَّة، وخلطُ الحقّ بالباطل، وعدمُ التمييز بين السُّنَّة والبدعة، واتباع الظنّ وما تهوى الأنفسُ، والتأويل المنكر، فهدى اللهُ الذين آمنوا لِما اختلف فيه من الحقّ بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم»(١٣).

وأمَّا دعوته -حفظه الله- إلى البعد عن التميع فيتجلى ذلك واضحًا فيما كتبه متأسّفًا عمّا يصدر من بعض الإخوة السلفيين قائلاً: «وعجبي لا ينقطع من فئةٍ من الدعاة تدَّعي سلوكَ الطريقة التي كان عليها الصحابة والتابعون ومَن تبعهم بإحسان من التمسُّك بالكتاب والسُّنَّة، وتقديمهما على ما سواهما، والعمل على مقتضى فهم السلف الصالح الذين اتفقت الأُمَّة على إمامتهم وعدالتهم، ثمّ لَمَّا قَويت شوكةُ الصُّوفية في البلاد تجدهم يشاركونهم في الموكب، ويجتمعون معهم على الموائد والزُّرَد والصُّحُون، ويبذلون الجهد في تسويغ أفعالهم بالبحث عن الشُّبُهات وحَشْدِ أقوالِ العلماء وينسجونها نسجًا ليُكوِّنوا بها أدلَّةً ‑زعموا‑ بُغْيَةَ إضفاء الشرعية على مواقفهم، ولئلاَّ تضيع مختلف مصالحهم وشتى مآربهم، يُرضُونهم مداهنة ممتثلين بمقولة القائل: «ودَارِهِمْ مَا دُمْتَ في دَارِهِمْ، وأَرْضِهِمْ مَا دُمْتَ في أَرْضِهِمْ»، وقد غفلوا أنَّ الله تعالى أحقُّ أن يُرضُوه إن كانوا مؤمنين وصادقين، قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «مَنْ أرْضَى اللهَ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللهُ النَّاسَ، وَمَنْ أسْخَطَ اللهَ بِرِضَى النَّاسِ وَكَلَهُ اللهُ إِلَى النَّاسِ» والأعجب من ذلك أنَّه إذا ما اجتمعت كلمةُ أهلِ السُّنَّة على الحقِّ والدِّين وتعزَّزت وِحدتها غيَّروا موافقتهم وتدافعوا إلى طليعتها موجِّهين ومنذرين وقد أخبر الله تعالى عن مثل هذا الصِّنف من الناس بقوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ، وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾ [العنكبوت: ١٠-١١]. »(١٤).

وبالجملة فإنّ الشيخ محمد علي فركوس -حفظه الله- لم يخرج عن نهج من سلفه من أهل العلم تأصيلا واستدلالا، وليس فيه ما يقدح في عقيدته أو سلوكه أو منهجه، تشهد كتبه ورسائله ومقالاته بصفاء مصدر تلقيه وسلامة منهج استدلاله، وما الحملات الشرسة التي تقودها بعض الصحف الإعلامية من تلفيق التهم ضده وليّ كلامه وبتره لتأليب الناس عليه جريا على طريقة أهل الأهواء والبدع إلا دليل آخر على الجهد الجبار الذي يبذله لتصليح ما فسد من عقائد وعوائد مجتمعه.

ولا يسعنا أخيرا إلا أن نذكِّر بأنّ الرحم العلمية بين طلاب العلم وأهله لا بد أن تكون موصولة إذ هي أوثق من رحم النسب، وقطعها يُعد من أبشع صور القطيعة ومن أعظم أسباب الفرقة والاختلاف، كما أنّ خلق إحسان الظن وبأهل العلم خاصة وحمل كلامهم المحامل الحسنة التي تحتملها وقطع الطريق أمام الساعين إلى الفرقة والتشتت لمن أعظم أسباب الاجتماع والتآلف.

قال عبد العزيز بن عمر: «قال لي أبي يا بني إذا سمعت كلمة من امرئ مسلم فلا تحملها على شيء من الشر ما وجدت لها محملا من الخير»(١٥).

وقال أبو قلابة: «إذا بلغك عن أخيك شيءٌ تكرهه فالتمس له عذرًا فإن لم تجد له عذرًا فقل: لعله له عذر لا أعلمه»(١٦).

هذا، والإدارة مسؤولة عمَّا أفصحت به في هذا البيان، ولولا كَلَبُ داء التعالم وتفعيل أقلامه المسعورة لعدلت الإدارة عن هذا التعقيب لعلمها أنَّ المتشبعين بما لم يعطوا سيحرصون على الردِّ الأجوف وسيفرغون فيه سوء عباراتهم وأقوالهم النابعة من دناءة الأخلاق، وخبث الطوية، وحسبنا أننا قمنا بواجب البيان دفاعًا عن الحقِّ و«الحقّ أحق أن يتبع»، مع التزام الإدارة بتجنُّب الردِّ على كلِّ إغارة حاقدة في هذا الموضوع من أي الجهات كانت، مشتغلين بما هو أنفع للعباد والبلاد، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ»(١٧).

نسأل المولى العلي الكريم رب العرش العظيم أن يصلح أحوالنا ومآلنا، وأن يرينا الحقَّ حقًّا، ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً، ويرزقنا اجتنابه، وأن يرزقنا خير العلم وحسن العمل.

 

الجزائر في: ٠٤ جمادى الأولى ١٤٣٠ﻫ
الموافـق ﻟ: ٢٩ أفـريل ٢٠٠٩م



(١) «سير أعلام النبلاء» للذهبي: (١٤/ ٤٠).

(٢) «مدارج السالكين» لابن القيم: (٢/ ٣٩).

(٣) «الجامع لأخلاق الراوي» للخطيب البغدادي: (١/ ٧٥).

(٤) أخرجه مسلم في «مقدمة صحيحه»: (١/ ٦)، وأبو داود في «الأدب»، باب في التشديد في الكذب: (٤٩٩٢)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. انظر «السلسلة الصحيحة» للألباني: (٥/ ٣٨).

(٥) (٣/ ٩).

(٦) من رسالة للشيخ بخطه بتاريخ ٤/ ٤/ ١٤٠٦ﻫ، عن فتاوى الشيخ محمّد الصالح العثيمين: (٢/ ٨٩٦). انظر: «فتاوى المرأة المسلمة» اعتنى بها ابن عبد المقصود: (٢/ ٥٧٢)، أضواء السلف - دار ابن حزم.

(٧) «المنتقى من فتاوى الشيخ صالح بن فوزان»: (٣/ ١٥٦، ١٥٧).

(٨) والثالثة ستصدر في الأيام المقبلة -إن شاء الله- بها إضافات وزيادات مفيدة.

(٩) من «الفتح المأمول شرح مبادئ الأصول»: (١٣).

(١٠) المصدر نفسه.

(١١) من الكلمة الشهرية «في حكم التفجيرات ومخلفاتها السيئة».

(١٢) «مجالس تذكيرية على مسائل منهجية»: (١٧).

(١٣) «منهج أهل السنة والجماعة في الحكم بالتكفير بين الإفراط والتفريط»: (٢٩).

(١٤) «حكم الاحتفال بمولد خير الأنام»: (٣٢).

(١٥) «الحلية» لأبي نعيم: (٥/ ٢٧٨).

(١٦) «روضة العقلاء» لابن حبان البستي: (١٨٤).

(١٧) أخرجه الترمذي في «الزهد»: (٢٤٨٧)، وابن ماجه في «الفتن»: (٤١١١)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه مالك في «الموطإ»: (١٦٣٨)، وأحمد: (١٧٥٨)، من حديث حسين بن علي رضي الله عنه. والحديث حسنه النووي في الأذكار (٥٠٩)، وصححه أحمد شاكر في «تحقيقه لمسند أحمد»: (٣/ ١٧٧)، والألباني في «صحيح الجامع»: (٥٩١١).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)