الفتوى رقم: ٥٠٠

الصنف: فتاوى الصيام ـ أحكام الصيام

في حكمِ مَنِ انتقل إلى بلدٍ بنقصانِ صيامٍ أو زيادةٍ

السؤال:

ما حكمُ مَنْ صام اليومَ الأوَّل مِنْ رمضانَ في بلده وهو في اليوم الثاني في البلد الذي انتقل إليه، وقد يصوم أهلُ ذلك البلد تسعةً وعشرين يومًا (٢٩ يومًا)، في حينِ أنه لم يَصُمْ مِنَ العدد سوى ثمانيةٍ وعشرين يومًا (٢٨ يومًا)، فهل يُكْمِلُ صومَه في اليوم الذي يُفْطِرُ فيه أهلُ البلد الذين يُوجَد معهم أم أنه يُفْطِر معهم ثمَّ يقضي ما بقي؟ وما حكمُ مَنْ حَدَث له العكسُ بحيث إنه صام في بلده يومًا قبل البلد الذي انتقل إليه، فماذا يفعل إِنْ صام البلدُ ثلاثين يومًا (٣٠ يومًا)؟ فهل يصوم واحدًا وثلاثين يومًا (٣١ يومًا)؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالأصل أنَّ المسلم يصوم ويُفْطِر مع الجماعة وعِظمِ الناسِ وإمامهم حيثما وُجِد، سواءٌ مع أهل بلده أو مع بلدِ غيره؛ لقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ»(١)، وهذا المعنى مِنْ وجوب الصوم والفطر مع الجماعة في الحديث احتجَّتْ به عائشةُ رضي الله عنها على مسروقٍ حين امتنع مِنْ صيامِ يومِ عَرَفةَ خشيةَ أَنْ يكون يومَ النحر حيث قال: «دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَالَتْ: «اسْقُوا مَسْرُوقًا سَوِيقًا وَأَكْثِرُوا حَلْوَاهُ»، قَالَ: فَقُلْتُ: «إِنِّي لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَصُومَ اليَوْمَ إِلَّا أَنِّي خِفْتُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ النَّحْرِ»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: «النَّحْرُ يَوْمَ يَنْحَرُ النَّاسُ، وَالفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ»»(٢)، ومنه يُفْهَم أنه في العبادة الجماعية كالصوم والإفطار والأضحية والتعييد ونحوِها لا عبرةَ فيها للآحاد، وليس لهم التفرُّدُ فيها، ولا أَنْ يتبعوا جماعةً غيرَ الجماعة التي يُوجَدون بينهم، بل الأمرُ فيها إلى الإمام والجماعة التي وُجِد معهم صومًا وإفطارًا.

وإذا كان حكمُهم يَلْزمه: فإِنْ أفطر لأقلَّ مِنْ تسعةٍ وعشرين يومًا مع البلد الذي انتقل إليه وَجَب أَنْ يقضيَ بعده ما نَقَص مِنْ صومه؛ لأنَّ الشهر القمريَّ لا ينقص عن تسعةٍ وعشرين يومًا ولا يزيد عن ثلاثين يومًا لقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا»(٣).

هذا، وكذلك إذا أَكملَ صيامَ ثلاثين يومًا ثمَّ انتقل إلى بلدٍ بقي على أهله صيامُ يومٍ أو أكثرَ وَجَبَ عليه موافقتُهم في صومهم، وما زاده مِنَ الشهر كان له نفلًا، كما يُوافِقُهم في فِطْرِهم والتعييد معهم؛ تحقيقًا لرغبة الشريعة في وحدة المسلمين واجتماعهم في أداءِ شعائرهم الدِّينيَّة وإبعادِهم عن كُلِّ ما يُفرِّق صفَّهم ويشتِّت شَمْلَهم؛ فإنَّ «يَد اللهِ مَعَ الجَمَاعَةِ»(٤).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١١ رمضان ١٤٢٧ﻫ
الموافق ﻟ: ٤ أكتوبر ٢٠٠٦م

 



(١) أخرجه أبو داود في «الصوم» باب: إذا أخطأ القومُ الهلالَ (٢٣٢٤)، والترمذيُّ في «الصوم» (٣/ ٨٠) بابُ ما جاء في أنَّ الفطر يومَ تُفْطِرون، والأضحى يومَ تُضَحُّون (٦٩٧)، وابنُ ماجه في «الصيام» (١/ ٥٣١) بابُ ما جاء في شهرَيِ العيد (١٦٦٠)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (١/ ٤٥) رقم: (٢٢٤)، والأرناؤوط في تحقيقه ﻟ «شرح السنَّة» للبغوي (٦/ ٢٤٨).

(٢) أخرجه البيهقيُّ (٨٢٠٩). وجوَّد الألبانيُّ سندَه في «السلسلة الصحيحة» (١/ ١/ ٤٤٢).

(٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الصوم» (٤/ ١٢٦) بابُ قولِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ» (١٩١٣)، ومسلمٌ في «الصيام» (٧/ ١٩٢) بابُ وجوبِ صومِ رمضانَ لرؤية الهلال والفطرِ لرؤية الهلال، وأنه إذا غُمَّ في أوَّله أو آخِرِه أُكْمِلَتْ عدَّةُ الشهر ثلاثين يومًا (١٠٨٠)، والبغويُّ في «شرح السنَّة» (٦/ ٢٢٨)، مِنْ حديثِ عبد الله بنِ عمر رضي الله عنهما.

(٤) أخرجه الترمذيُّ في «الفِتَن» بابُ ما جاء في لزوم الجماعة (٢١٦٦) مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٨٠٦٥).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)