لا رأي ولا قول لأحدٍ مع سنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الجمعة 10 شوال 1445 هـ الموافق لـ 19 أبريل 2024 م



لا رأي ولا قول لأحدٍ مع سنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم

كان من هدي السلف رضوانُ الله عليهم أنهم يقِفُون عند كتاب الله وسنَّة نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم ولا يقدِّمون عليها رأيًا أو قولًا ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا[الأحزاب: ٣٦]. وتواترت الأخبار عن الصحب ـ رضوان الله عليهم ـ بذلك؛ فكم حكموا في نازلةٍ برأيهم، ثمَّ استبانت لهم سنَّةُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فرمَوْا برأيهم ورأي أكابرهم وراءهم ظهريًّا، ولله درُّ ابن عبَّاسٍ عندما قال لإخوانه الذين قالوا: «إنَّ أبا بكرٍ وعمر لا يَرَيَان التمتُّع بالعمرة إلى الحجِّ، ويريان أنَّ إفراد الحجِّ أفضل»، فقال لهم: «يوشك أن تنزل عليكم حجارةٌ من السماء، أقول: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟» فشاهت وجوهٌ قدَّمت رأيَها أو قولَ شيوخها على قول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وما كان ذاك عند الشيوخ الأعلام كأحمد ومالكٍ وأبي حنيفة والشافعيِّ، إنما حدث ذلك في الأتباع، وأولئك منه براءٌ.

قال البخاريُّ رحمه الله: «سمعتُ الحميديَّ يقول: كنَّا عند الشافعيِّ رحمه الله، فأتاه رجلٌ فسأله مسألةً، فقال: «قضى فيها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كذا وكذا»، فقال رجلٌ للشافعيِّ: «ما تقول أنت؟!» فقال: «سبحان الله! تراني في كنيسةٍ! تراني في بِيعةٍ! ترى على وسطي زُنَّارًا؟! أقول لك: قضى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأنت تقول: ما تقول أنت؟!».

وقال ابن أبي العزِّ: «حكى الطحاويُّ حكايةَ أبي حنيفة مع حمَّاد بن زيدٍ، وأنَّ حماد بن زيدٍ لمَّا روى له حديث: «أيُّ الإسلام أفضل؟» إلى آخره، قال له: «ألا تراه يقول: أيُّ الإسلام أفضل؟» قال: «الإيمان»، ثمَّ جعل الهجرةَ والجهاد من الإيمان؟» فسكت أبو حنيفة، فقال بعض أصحابه: «ألا تجيبه يا أبا حنيفة؟» قال: «بم أجيبه وهو يحدِّثني بهذا عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟».

[«صيد الكتب» لفؤاد الشلهوب (٣٨)]