الفتوى رقم: ٩٧٧

الصنـف: فتاوى المعاملات المالية - القرض والصرف

في حكم العاجز عن التسديد

السـؤال:

هل يجوز لمن تراكمت عليه الديون وانقطعت به سبلُ تسديدِها أن يلجأَ إلى الاقتراضِ من البنك؟

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فما دامَ المدينُ معسرًا عاجزًا عن التسديدِ فالواجبُ –عند مطالبةِ الغرماءِ وكثرةِ الديونِ وعدمِ إسقاطها عنه- خلعُ كلِّ مالٍ زائدٍ عن مقدارِ حاجتهِ وحاجةِ عيالهِ وأهلهِ، فيسدِّدُ به الدَّينَ ويتركُ الضروريَّ لقوامِ الأبدانِ، فإن لم يبلغ الوفاءَ فما على الدائنين إلاَّ انتظارُ يسرِ حالِه من جهةِ المالِ لقوله تعالى: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:٢٨٠]، فكُلُّ مَنْ أعسر أُنْظِرَ، وقد روى مسلمٌ عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: «أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ»، فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغُرَمَائِهِ: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلاَّ ذَلِكَ»»(١)، وفي بعض الروايات: «فَلَمْ يَزِدْ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُرَمَاءَهُ عَلَى أَنْ خَلَعَ لَهُمْ مَالَهُ»(٢).

وهذا الحكمُ إنما هو مع عدم المال والفقر الصريح، والواجب -في هذه الحال- التأخير وانتظار يُسْرِ الغريم، وقد ندب الله تعالى بالآية السابقة إلى الصدقة على المَدين المُعسر وجَعَلَ ذلك خيرًا من إنظاره، بل هو معدودٌ بهذا الاعتبار من الفقراء الغارمين المستحقِّين للزكاة.

ولا ينبغي اللجوءُ إلى البنك لتسديد الديون؛ لأنَّ الشرع لم يجعل للمحرَّم سبيلاً، والبنكُ لا يزيد المقترض إلاَّ همًّا وغمًّا بقرضه الربوي المحرَّم، وينضافُ البنك -في الأخير- إلى قائمة دائنيه.

وأخيرًا، عليك بالاجتهادِ وتقوى الله، فإنَّ ﴿مَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق: ٢-٣].

نسأل اللهَ تعالى أن يفتح عليك أبوابَ الخيرات والبركات وأن يُغنيَك بحلاله عن حرامه.

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٣ من المحرَّم ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٠ جانفي ٢٠٠٩م


(١) أخرجه مسلم في «المساقاة» (١٥٥٦) من حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه.

(٢) أخرجه البيهقي (١١٢٧٠) من حديث عبد الرحمن بن كعب بن مالكٍ مرسلاً.

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)