الفتوى رقم: ١٢٣٦

الصنف: فتاوى طبِّيَّة

في حكم رَتْقِ غشاء البكارة بعمليَّة

السؤال:

أنا فتاةٌ أخطَأْتُ في حقِّ ربِّي ونفسِي، ولكِنْ تُبتُ ونَدِمْتُ، ومَنَّ اللهُ عليَّ بالسَّتر، فهل يجوز لي رَتْقُ غشاءِ البكارة بداعي السَّتر في حالة الزواج فقط؟ فقَدْ أمَرَنا اللهُ ـ إذا سَتَرَنا هو ـ أَنْ لا نفضح أَنْفُسَنا، مع العلم أنَّ هناك مِنَ المُفتِينَ مَنْ أَحلَّ هذا الفعلَ؛ أَرشِدوني مِنْ فضلكم، وأرجو منكم الدعاءَ لي بالتوبة النَّصوح المقبولةِ عند الله، والسَّترِ الدائم مِنْ عند الأَحَد الصَّمَد، وأَنْ يفرِّج كربي وهمِّي؛ وجزاكم اللهُ خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالثيِّب هي الموطوءةُ في القُبُل على وجهٍ زالَتْ به عُذريَّتُها أو غشاءُ بكارتها، سواءٌ كان الوطءُ حرامًا أم حلالًا أم وطءَ شبهةٍ.

كما يدخل في هذا المعنى ـ أيضًا ـ: كُلُّ مَنْ أُزيلَ غشاءُ بكارتها لسببِ إكراهٍ أو حادثٍ أو غيرِهما مِنَ الأسباب الأخرى.

وبناءً عليه، فإنَّ إعادةَ غشاءِ البكارة مِنْ جديدٍ هو ـ في الحقيقة ـ نوعُ غِشٍّ وتزييفٍ محرَّمَيْن، فلا يَسَعُ المرأةَ أَنْ تكذب أو تزوِّر حالَها إلى حالِ بِكرٍ وهي ليست كذلك، فإعادةُ غشاء البكارة مِنْ جديدٍ بعمليَّةٍ ـ فضلًا عمَّا فيه مِنْ كشفٍ للعورة المغلَّظة ـ فهو انتقالٌ مغشوشٌ مِنْ حال الثُّيوبة إلى حال البكارة، وهي أُعطِيَتْها، ولكن لم تحافظ عليها، بل أزالَتْها بما ذكرَتْه في السؤال؛ فهذا الانتقالُ المغشوش قد جاء الحديثُ يَصِفُه بالزُّور في قوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «المُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ»(١)؛ بالإضافة إلى أنه يسهِّل ـ أيضًا ـ طريقَ العودة إلى ارتكاب الزِّنا مِنْ جديدٍ بدوافعَ شهوانيَّةٍ، وإخفاءِ حقيقةِ هذه الجريمةِ ما دام بالإمكان رتقُ غشاء البكارة بعد الوطء، فضلًا عن تشجيع الأطِبَّاء للقيام بإخفاء القرينة الدالَّة على حقيقةِ حالِ ثُيُوبَتِها برتقِ غشاء البكارة، بل فتح المجال لهم لإجراء عمليَّاتِ إجهاضِ الأجِنَّة وإسقاطِها بدعوى رفعِ الحرج عن مُرتكِبِيها.

أمَّا توبتُها مِنْ فعلِها السيِّئِ وصلاحُها بعد ذلك فأمرٌ حسنٌ، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ٥٣[الزُّمَر]، وقولِه تعالى: ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ وَأَصۡلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ[آل عمران: ٨٩؛ النور: ٥]، وقولِه تعالى: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحٗا فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّ‍َٔاتِهِمۡ حَسَنَٰتٖۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا ٧٠[الفرقان].

لكنَّ توبَتَها وانصلاحَ حالِها لا يخوِّل لها أَنْ تظهر بمَظهَرِ البِكر وهي ـ في الواقع ـ ثيِّبٌ؛ بل مِنْ تمامِ توبَتِها: أَنْ تُبْرِئَ ذِمَّتَها بالصدق والأمانة، ولا تُغرِّرَ بالخاطب ولا تُبرِّئَ نَفْسَها وتدفع عنها التهمةَ والضررَ ليُقبِل عليها الخُطَّابُ وتُكثِّر فُرَصَ الزواج؛ لأنَّ الضرر لا يُزالُ بمِثله، بل يزول الضررُ بلا ضررٍ كما تجري عليه القواعدُ؛ وعليها أَنْ ترضى بما قَسَم اللهُ لها؛ واللهُ كفيلٌ بإعانة المُستعِفِّ وإغناءِ الصادق؛ لقوله تعالى: ﴿وَلۡيَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغۡنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ[النور: ٣٣]، وقولِه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللهِ عَوْنُهُمْ: المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ العَفَافَ»(٢).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٠٤ رجب ١٤٣٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٢١ مارس ٢٠١٨م

 



(١) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «النكاح» بابُ المتشبِّعِ بما لم يَنَلْ، وما يُنْهى مِنِ افتخار الضَّرَّة (٥٢١٩)، ومسلمٌ في «اللباس والزِّينة» (٢١٣٠)، مِنْ حديثِ أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رضي الله عنهما؛ وأخرجه مسلمٌ ـ أيضًا ـ مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها برقم: (٢١٢٩).

(٢) أخرجه الترمذيُّ في «فضائل الجهاد» بابُ ما جاء في المجاهد والناكح والمكاتب، وعونِ الله إيَّاهم (١٦٥٥)، والنسائيُّ في «الجهاد» بابُ فضلِ الرَّوْحة في سبيل الله عزَّ وجلَّ (٣١٢٠) وفي «النكاح» بابُ معونةِ اللهِ الناكحَ الذي يريد العفافَ (٣٢١٨)، وابنُ ماجه في «العتق» باب المكاتب (٢٥١٨)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث حسَّنه البغويُّ في «شرح السُّنَّة» (٩/ ٧)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٣٠٥٠)، وصحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ﻟ «مسند أحمد» (١٣/ ١٤٩).

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)