الفتوى رقم: ٣٧٤

الصنف: فتاوى المعاملات المالية - الميراث

في حكم الوصية بكل مال الموصي، وفي حكم تنفيذها بخير ما أوصى

السؤال: أوصت امرأة مسلمة، سويسرية الجنسية والإقامة، قبل موتها بأن تُنفق أموالها كلها على أولاد المسلمين على أن تتولى تنفيذ الوصية صديقتها الألمانية، وهي تسأل عن :

- حكم الوصية بكلّ المال، علما أنّ عائلة المرأة المتوفاة كفار، وليس فيهم من يدين بالإسلام؟

- هل يمكن تنفيذ الوصية بأرض الجزائر ما دامت الموصِية لم تحدد مكانا خاصا؟

- هل يمكن إنشاء مدرسة لتحفيظ القرآن بمال الوصية ليكون النفع بالمال أكثر؟ ولتبقى صدقة جارية على الموصِية؟  

- لا يمكن استخراج مال المتوفاة إلاّ بعد دفع ضريبة، فهل يجوز دفع قيمة الضريبة من مال الموصية؟

الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما، أمَّا بعد:

فالوصية بما زاد عن ثلث التركة أو بكلِّ المال جائز شرعًا، لأنَّ المنع من الوصية بالزائد عن الثلث من أجل تعلق الحق بالورثة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ»(١)، ولما انعدم الوارث زال المانع الذي تعلَّق حقه بماله، فأشبه ما لو تصدَّق بماله في حال الصحة، وبه قال ابن مسعود رضي الله عنه، وهو مذهب الحنفية والحنابلة ورجحه ابن القيم الجوزية.

وإذا أوصت بإنفاق أموالها على أولاد المسلمين، لزمت بمجرد الموت، وصرفت على بعضهم ولو كانوا في الجزائر أو غيرها.

والوصية مادامت مطابقة للحق، لا جنف فيها ولا مضارة، فالواجب تنفيذها على وجهها المشروع، لأنَّ الله قد توعد من تساهل بشأنها أو غيرَّها أو بدلها من غير مسوِّغ شرعي، وأنه يبوء بالإثم قال تعالى:" فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "[البقرة: ١٨١]

وإنما يجوز التبديل وعدم إمضاء الوصية إذا أوصى بحرام أو بشيء من المعاصي وهذا لا خلاف فيه. فإن قدرت المكلفة بالوصية تنفيذها على وجه يكون خيرا للموصي وأنفع له كالصدقة الجارية التي يتجدد ثوابها بتجدد الانتفاع بالوقف فلها ذلك سواء وضعتها في دار الأيتام أو بيت السبيل إن وجدت إلى ذلك سبيلا، سواء في بلدها أو في أي بلد مسلم آخر ولو بإعطاء ضريبة عليه، ما لم تكن الضريبة تبلغ ثلث المال أو تتجاوزه، فإن تعذر فلها أن تجتهد في وضعه في بدل آخر يقوم مقامه ويتحقق به المقصود من الوصية.

والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.

الجزائر في: ٥ صفر ١٤٢٧ﻫ
الموافق ﻟ: ٥ مارس ٢٠٠٦م


(١) أخرجه البخاري في الجنائز (١٢٩٥)، ومسلم في الوصية (٤٢٩٦)، وأبو داود في الوصايا (٢٨٦٦)، والترمذي في الوصايا (٢٢٦٢)، ومالك (١٤٦١)، وأحمد (١٥٤٢)، والبيهقي (١٢٩٤١)، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.

.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،

أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.

.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع

لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.

جميع الحقوق محفوظة (1424ھ/2004م - 14434ھ/2022م)