رثاء الأندلس | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الجمعة 17 شوال 1445 هـ الموافق لـ 26 أبريل 2024 م



رثاء الأندلس

قال أبو البقاء صالحُ بن شريفٍ الرنديُّ:

لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا مَا تَمَّ نُقْصَانُ * فَلَا يُغَرَّ بِطِيبِ العَيْشِ إِنْسَانُ

هِيَ الأُمُورُ كَمَا شَاهَدْتَهَا دُوَلٌ * مَنْ سَرَّهُ زَمَنٌ سَاءَتْهُ أَزْمَانُ

وَهَذِهِ الدَّارُ لَا تُبْقِي عَلَى أَحَدٍ * وَلَا يَدُومُ عَلَى حَالٍ لَهَا شَانُ

أَيْنَ المُلُوكُ ذَوُو التِّيجَانِ مِنْ يَمَنٍ * وَأَيْنَ مِنْهُمْ أَكَالِيلٌ وَتِيجَانُ

وَأَيْنَ مَا شَادَهُ شَدَّادُ فِي إِرَمٍ * وَأَيْنَ مَا سَاسَهُ فِي الفُرْسِ سَاسَانُ

وَأَيْنَ مَا حَازَهُ قَارُونُ مِنْ ذَهَبٍ * وَأَيْنَ عَادٌ وَشَدَّادٌ وَقَحْطَانُ

أَتَى عَلَى الكُلِّ أَمْرٌ لَا مَرَدَّ لَهُ * حَتَّى قَضَوْا فَكَأَنَّ القَوْمَ مَا كَانُوا

وَصَارَ مَا كَانَ مِنْ مُلْكٍ وَمِنْ مَلِكٍ * كَمَا حَكَى عَنْ خَيَالِ الطَّيْفِ وَسْنَانُ

كَأَنَّمَا الصَّعْبُ لَمْ يَسْهُلْ لَهُ سَبَبٌ * يَوْمًا وَلَا مَلَكَ الدُّنْيَا سُلَيْمَانُ

فَجَائِعُ الدَّهْرِ أَنْوَاعٌ مُنَوَّعَةٌ * وَلِلزَّمَانِ مَسَرَّاتٌ وَأَحْزَانُ

وَلِلْحَوَادِثِ سُلْوَانٌ يُسَهِّلُهَا * وَمَا لِمَا حَلَّ بِالإِسْلَامِ سُلْوَانُ

دَهَى الجَزِيرَةَ أَمْرٌ لَا عَزَاءَ لَهُ * هَوَى لَهُ أُحُدٌ وَانْهَدَّ ثَهْلَانُ

أَصَابَهَا العَيْنُ فِي الإِسْلَامِ فَارْتَزَأَتْ * حَتَّى خَلَتْ مِنْهُ أَقْطَارٌ وَبُلْدَانُ

فَاسْأَلْ بَلَنْسِيَةً مَا شَأْنُ مَرْسِيَةٍ* وَأَيْنَ شَاطِبَةٌ أَمْ أَيْنَ جَيَّانُ

وَأَيْنَ قُرْطُبَةٌ دَارُ العُلُومِ فَكَمْ * مِنْ عَالِمٍ قَدْ سَمَا فِيهَا لَهُ شَانُ

وَأَيْنُ حِمْصُ وَمَا تَحْوِيهِ مِنْ نُزَهٍ * وَنَهْرُهَا العَذْبُ فَيَّاضٌ وَمَلْآنُ

قَوَاعِدٌ كُنَّ أَرْكَانَ البِلَادِ فَمَا * عَسَى البَقَاءُ إِذَا لَمْ تَبْقَ أَرْكَانُ

تَبْكِي الحَنِيفِيَّةُ البَيْضَاءُ مِنْ أَسَفٍ * كَمَا بَكَى لِفِرَاقِ الإِلْفِ هَيْمَانُ

عَلَى دِيَارٍ مِنَ الإِسْلَامِ خَالِيَةٍ * قَدْ أَقْفَرَتْ وَلَهَا بِالكُفْرِ عُمْرَانُ

حَيْثُ المَسَاجِدُ قَدْ صَارَتْ كَنَائِسَ مَا * فِيهِنَّ إِلَّا نَوَاقِيسٌ وَصُلْبَانُ

حَتَّى المَحَارِيبُ تَبْكِي وَهْيَ جَامِدَةٌ * حَتَّى المَنَابِرُ تَرْثِي وَهْيَ عِيدَانُ

يَا غَافِلًا وَلَهُ فِي الدَّهْرِ مَوْعِظَةٌ * إِنْ كُنْتَ فِي سِنَةٍ فَالدَّهْرُ يَقْظَانُ

وَمَاشِيًا مَرِحًا يُلْهِيهِ مَوْطِنُهُ * أَبَعْدَ حِمْصٍ تَغُرُّ المَرْءُ أَوْطَانُ

تِلْكَ المُصِيبَةُ أَنْسَتْ مَا تَقَدَّمَهَا * وَمَا لَهَا مِنْ طِوَالِ الدَّهْرِ نِسْيَانُ

يَا رَاكِبِينَ عِتَاقَ الخَيْلِ ضَامِرَةً * كَأَنَّهَا فِي مَجَالِ السَّبْقِ عِقْبَانُ

وَحَامِلِينَ سُيُوفَ الهِنْدِ مُرْهَفَةً * كَأَنَّهَا فِي ظَلَامِ النَّقْعِ نِيرَانُ

وَرَاتِعِينَ وَرَاءَ البَحْرِ فِي دَعَةٍ * لَهُمْ بِأَوْطَانِهِمْ عِزٌّ وَسُلْطَانُ

أَعِنْدَكُمْ نَبَأٌ مِنْ أَهْلِ أَنْدَلُسٍ * فَقَدْ سَرَى بِحَدِيثِ القَوْمِ رُكْبَانُ

كَمْ يَسْتَغِيثُ بِنَا المُسْتَضْعَفُونَ وَهُمْ * قَتْلَى وَأَسْرَى فَمَا يَهْتَزَّ إِنْسَانُ

بِالأَمْسِ كَانُوا مُلُوكًا فِي مَنَازِلِهِمْ * وَاليَوْمَ هُمْ فِي بِلَادِ الكُفْرِ عُبْدَان

فَلَوْ تَرَاهُمْ حَيَارَى لَا دَلِيلَ لَهُمْ * عَلَيْهِمْ مِنْ ثِيَابِ الذُّلِّ أَلْوَانُ

وَلَوْ رَأَيْتَ بُكَاهُمْ عِنْدَ بَيْعِهِمُ * لَهَالَكَ الأَمْرُ وَاسْتَهْوَتْكَ أَحْزَانُ

يَا رُبَّ أُمٍّ وَطِفْلٍ حِيلَ بَيْنَهُمَا * كَمَا تُفَرَّقُ أَرْوَاحٌ وَأَبْدَانُ

وَطَفْلَةٍ مِثْلِ حُسْنِ الشَّمْسِ إِذْ بَرَزَتْ * كَأَنَّمَا هِيَ يَاقُوتٌ وَمَرْجَانُ

يَقُودُهَا العِلْجُ لِلْمَكْرُوهِ مُكْرَهَةً * وَالعَيْنُ بَاكِيَةٌ وَالقَلْبُ حَيْرَانُ

لِمِثْلِ هَذَا يَمُوتُ القَلْبُ مِنْ كَمَدٍ * إِنْ كَانَ فِي القَلْبِ إِسْلَامٌ وَإِيمَانُ

[«بهجة المجالس» لأبي عبد الله الأثري (٣٢)]