- التبويب الفقهي للفتاوى:
الفتوى رقم: ١١٦
الصنف: فتاوى المعاملات المالية
في حكم دفعِ مالٍ للحصول على عملٍ
السؤال:
تضارَبَتْ لديَّ الأقوالُ في مسألةِ دفعِ الأموال للحصول على عملٍ في المؤسَّسات الخاصَّة أو العامَّة (الحكومية) على ثلاثة أقوالٍ:
ـ القول الأوَّل: الجواز.
ـ القول الثاني: جائزٌ بضوابطَ وهي: (الأهلية، عدَمُ أخذِ مكان الغير، وأَنْ يكون العملُ في ذاته مُباحًا، وأَنْ تكون حاجةً مُلِحَّةً أو ضرورةً ملموسةً).
ـ القول الثالث: جائزٌ لكِنْ في المؤسَّسات الخاصَّة بضوابطِ القول الثاني، وغيرُ جائزٍ في المؤسَّسات الحكومية.
أرجو منكم الترجيحَ في هذه المسألة، وجزاكم اللهُ خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فلا شكَّ أنَّ تقديم المؤهَّلِ للمَنْصِبِ مالًا مُصانَعةً لتحصيلِ مَنْصِبِ عملٍ ـ إذا نَفِدَتْ جميعُ الطُّرُق ـ جائزٌ لأحقِّيَّته به؛ فكان القولُ الثاني أَصَحَّ قولًا وأَصْوَبَ نظرًا، سواءٌ في المؤسَّسات العامَّة أو الخاصَّة؛ لأنَّه بهذه الشروط تتجلَّى أحقِّيتُه بالمَنْصِبِ وأولويَّتُه به؛ فالمالُ المعطى ـ في هذا ـ محرَّمٌ على الآخِذِ دون المعطي؛ لأنَّه مدفوعٌ لإحقاقِ حقٍّ متمثِّلٍ في تقريرِ أولويته بالمَنْصِبِ رتبةً؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «وَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَسْأَلُنِي الْمَسْأَلَةَ فَأُعْطِيهَا إِيَّاهُ، فَيَخْرُجُ بِهَا مُتَأَبِّطَهَا وَمَا هِيَ لَهُمْ إِلَّا نَارٌ»، قَالَ عُمَرُ: «يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلِمَ تُعْطِيهِمْ؟» قَالَ: «إِنَّهُمْ يَأْبَوْنَ إِلَّا أَنْ يَسْأَلُونِي، وَيَأْبَى اللهُ لِي الْبُخْلَ»(١)، ولأنه رُوِيَ عن عبد الله بنِ مسعودٍ أنه كان بالحبشة فرَشَا دينارين وقال: «إنما الإثمُ على القابض دون الدافع»(٢)، علمًا بأنَّ المُصانَعةَ بالمال ـ في هذه الحالة ـ لا تكون على حِساب أَخْذِ حقوقِ الآخَرين ظلمًا؛ لأنَّ مُصانَعةَ الحُكَّامِ ومَن على شاكِلتهم بالأموال ليقطعوا حَقَّ غيرِهم لمصلحةِ المُصانِع حرامٌ؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ وَتُدۡلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ لِتَأۡكُلُواْ فَرِيقٗا مِّنۡ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلۡإِثۡمِ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ١٨٨﴾ [البقرة]، وهذا الوجهُ هو الذي ورَدَتْ فيه الأحاديثُ الناهيةُ عن هدايَا العُمَّالِ لاقتضائها الظلمَ والعدوان، والتعاونُ عليه محرَّمٌ شرعًا لقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ﴾ [المائدة: ٢].
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٠٧ رمضان ١٤٢٦ﻫ
الموافق ﻟ: ١٠ أكتوبر ٢٠٠٥م
(١) أخرجه أحمد (١١١٢٣)، وابنُ حبَّان (٣٤١٤)، والحاكم (١٤٤)، مِن حديث عمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «التعليقات الحسان» (٣٤٠٥).
(٢) «تفسير القرطبي» (٦/ ١٨٤).
- قرئت 38855 مرة
- Français
- English
نسخة للطباعة
أرسل إلى صديق
الزوار |
|
بحث في الموقع
آخر الأقراص
الفتاوى الأكثر قراءة
.: كل منشور لم يرد ذكره في الموقع الرسمي لا يعتمد عليه ولا ينسب إلى الشيخ :.
.: منشورات الموقع في غير المناسبات الشرعية لا يلزم مسايرتها لحوادث الأمة المستجدة،
أو النوازل الحادثة لأنها ليست منشورات إخبارية، إعلامية، بل هي منشورات ذات مواضيع فقهية، علمية، شرعية :.
.: تمنع إدارة الموقع من استغلال مواده لأغراض تجارية، وترخص في الاستفادة من محتوى الموقع لأغراض بحثية أو دعوية على أن تكون الإشارة عند الاقتباس إلى الموقع :.
جميع الحقوق محفوظة (1424 هـ/2004م - 1444هـ/2023م)