في صفة الصلاة ووجوهِ التغيير بعد النسخ | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الثلاثاء 7 شوال 1445 هـ الموافق لـ 16 أبريل 2024 م

الفتوى رقم: ٤٤

الصنف: فتاوى الصلاة - صفة الصلاة

في صفة الصلاة ووجوهِ التغيير بعد النسخ

السؤال:

كيف كانَتْ صلاةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مكَّةَ قبل أَنْ تُفْرَضَ الصلواتُ الخمس أربعًا؟ وهل هي منسوخةٌ؟ وهل يمكن قياسُ ما نحن عليه الآنَ على صلاةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمكَّةَ التي كانَتْ دارَ حربٍ؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فقَدْ «كانتِ الصلاةُ المفروضةُ قبل الإسراءِ: ثِنْتَانِ قبل طلوع الشمس في وقت الفجرِ وقبلَ الغروبِ في وقت العصر، وقيامُ الليل كان واجبًا على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعلى أُمَّتِه حولًا، ثمَّ نُسِخَ في حقِّ الأمَّةِ وجوبُه، ثمَّ بعد ذلك نَسَخَ اللهُ تعالى ذلك كُلَّه ليلةَ الإسراءِ بخمسِ صلواتٍ»، كما ذَكَرَه ابنُ كثيرٍ ـ رحمه الله ـ(١)، قال اللهُ تعالى: ﴿وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ ٱلۡغُرُوبِ ٣٩[ق].

والإشكالُ الحاصلُ بين حديثِ عائشةَ رضي اللهُ عنها في قولِهَا: «فَرَضَ اللهُ الصَّلَاةَ حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ؛ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الحَضَرِ»(٢)، وبين حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «فَرَضَ اللهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الحَضَرِ أَرْبَعًا، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الخَوْفِ رَكْعَةً»(٣)، يزول بدفعِ التعارضِ بأَنْ يُقالَ: إنَّ الصلواتِ الخمسَ فُرِضَتْ ليلةَ الإسراءِ ركعتين ركعتين إلَّا المغربَ، ثمَّ زِيدَتْ بعد الهجرةِ إلَّا الصبحَ على ما رواهُ ابنُ خزيمةَ وابنُ حبَّان عن عائشةَ رضي الله عنها(٤)، وفي روايةٍ للبخاريِّ: «فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا، وَتُرِكَتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الأُولَى»(٥)، ثمَّ ـ بعد أَنِ استَقَرَّ فرضُ الرباعيةِ ـ خُفِّفَ منها في السَّفَرِ عند نزولِ قولِه تعالى: ﴿فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ[النساء: ١٠١]، ويكون المرادُ مِنْ قولِ عائشةَ رضي الله عنها في روايةِ مسلمٍ: «فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْفَرِيضَةِ الْأُولَى»(٦)، أي: باعتبارِ ما آلَ إليه الأمرُ مِنَ التخفيفِ.

وبعد هذا التِّبيانِ فإنَّ ما وَجَبَ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الصلواتِ الخمسِ ليلةَ الإسراءِ إنما كان بمكَّةَ ولم تكن ـ حالتَئذٍ ـ بدارِ إسلامٍ، وكانَتْ تُؤَدَّى ركعتين ركعتين، فإِنْ أُرِيدَ بإلحاقِ صلاتِهم بصلاةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما كان قبل الهجرة فلم تَتميَّزْ ـ وقتَئذٍ ـ دارُ الإسلام عن دارِ الحرب، وإِنْ أُريد بالإلحاقِ ما كان مِنْ صلاتِه بعد الهجرةِ وظهورِ دارِ الإسلام فإنَّ إلحاقَ صلاتِهم بصلاةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو بمكَّةَ ظاهرُ البطلانِ لاستقرارِ فَرْضِ الرباعية، ولا يجوز القَصْرُ إلَّا لمَنْ شَمِلهم أمرُ التخفيفِ.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٤ رمضان ١٤١٧
الموافق ﻟ: ٢٣ جانفي ١٩٩٧م

 



(١) «تفسير ابنِ كثير» (٤/ ٢٢٩).

(٢) أخرجه البخاريُّ في «الصلاة» باب: كيف فُرِضَتِ الصلواتُ في الإسراء؟ (٣٥٠)، ومسلمٌ في «صلاة المسافرين» (٦٨٥)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.

(٣) أخرجه مسلمٌ في «صلاة المسافرين وقصرِها» (٦٨٧) مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

(٤) انظر روايةَ ابنِ خزيمة (٣٠٥)، وابنِ حبَّان (٢٧٣٨)، وفيها: «فَرْضُ صَلَاةِ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ زِيدَ فِي صَلَاةِ الحَضَرِ رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ، وَتُرِكَتْ صَلَاةُ الفَجْرِ لِطُولِ القِرَاءَةِ، وَصَلَاةُ المَغْرِبِ لِأَنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ». وصحَّحه الألبانيُّ بالمتابَعات والشواهد في: «السلسلة الصحيحة» (٢٨١٤) و«التعليقات الحسان» (٢٧٢٧).

(٥) أخرجها البخاريُّ في «مناقب الأنصار» باب التاريخ: مِنْ أين أرَّخوا التاريخَ؟ (٣٩٣٥) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.

(٦) أخرجها مسلمٌ في «صلاة المسافرين» (٦٨٥) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها..