Skip to Content
السبت 18 شوال 1445 هـ الموافق لـ 27 أبريل 2024 م

ـ الحلقة الثالثة ـ

نصُّ الحديثين:

١/  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ: أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ»(١).

٢/  وعنه رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم قَالَ: «إِذَا شَرِبَ الكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا»(٢).

٣/  وعنه ـ أيضًا ـ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَارٍ»(٣).

٤/  وعن عبدِ اللهِ بنِ مُغَفَّل رضي الله عنه: أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم قَالَ: «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعًا، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ»(٤).

سادسًا: مواقف العلماء مِن حكم طهارة الكلب ونجاستِه:

أتناول هذه المسألةَ بذِكر مذاهب العلماء في حُكم فَمِ الكلب ولُعابه خاصَّةً، وفي جميع بدنه وأعضائه عامَّةً ـ مِن حيث النَّجاسةُ وعدمُها ـ، وأُورِد أدلَّتَهم الشَّرعية والعقليَّةَ في ذلك ثمَّ أعقبها بالمناقشة والتفنيد، محاولًا إبرازَ سبب الخلاف في هذه المسألة، وأختمها ببيان الرَّاجح المختار ـ في نظري ـ مِن مذاهب العلماء، وذلك في النِّقاط التالية:

أ/  مذاهب العلماء في المسألة:

اختلف العلماء في نجاسة فَمِ الكلب ولُعابِه وفي جميع بدنه وأعضائه ـ مِن حيث النَّجاسةُ وعدمُها ـ على مذهبين رَئيسَيْنِ وهما:

مذهب الجمهور: ذهب جمهور العلماء إلى أنَّ ما يَرْشَحُ مِنَ الكلب ـ كالدَّمع واللُّعاب والمُخاط والعَرق والبول ـ وجميعَ بدنه وأعضاءَه نجسةٌ، لا فَرْقَ بين الكلب الصَّغير والكبير، ولا بين المعلَّم وغيره، وبهذا قال الأوزاعيُّ وسفيان الثوريُّ وأبو حنيفة وأصحابُه واللَّيث بن سعد والشافعيُّ وأحمد وأبو ثور وغيرهم(٥)، ورجَّحه ابن تيمية وابن حجر وغيرهما(٦).

مذهب مالك وداود الظاهري(٧): ذهب هؤلاء إلى القول بأنَّ الكلب طاهرٌ، ويُقصَر الحُكمُ الوارد في الحديث على لسانه وفمه مِنْ غير أن يتعدَّى إلى غيره إلَّا أنَّه يجب غسلُ الإناء مِنْ وُلُوغه تعبُّدًا لا لنجاسته، ويجوز أكلُ ما فيه والتصرُّفُ فيه، وبهذا قال الزُّهريُّ، وحُكِيَ هذا القولُ عن الحسن البصريِّ وعُروةَ بن الزبير وغيرِهم(٨).

ومِن أصحاب مالكٍ مَن يرى بأنَّ غَسل الإناء مِنْ وُلُوغ الكلب مُستحبٌّ وليس بواجب، قال ابن عبد البرِّ ـ رحمه الله ـ: «فجملةُ ما ذهب إليه مالكٌ واستقرَّ عليه مذهبُه عند أصحابه: أنَّ سُؤْرَ الكلب طاهرٌ ويُغسل الإناء مِنْ وُلُوغه سَبْعًا تعبُّدًا استحبابًا ـ أيضًا ـ لا إيجابًا، وكذلك يُستحبُّ لِمَن وجد ماءً لم يَلَغ فيه الكلب مع ماءٍ قد وَلَغ فيه كلبٌ أن يترك الذي وَلَغ فيه الكلب، وغيرُه أحبُّ إليه منه.. ولا بأس عنده بأكل ما وَلغ فيه الكلب مِنَ اللَّبن والسَّمْن وغير ذلك، ويُستحبُّ هَرْقُ ما وَلَغ فيه مِن الماء»(٩).

ب/  أدلَّة مذاهب العلماء:

أتناول ـ ابتداءً ـ أدلَّة القائلين بنجاسة سُؤْرِ الكلب ونجاسةِ جميع بدنِه وأعضائه مُطلقًا وهو مذهب الجمهور، ثمَّ أستتبعُهُ بأدلَّةِ القائلين بطهارة الكلب ووجوبِ غَسل الإناء مِن وُلُوغه أو استحبابه تعبُّدًا لا لنجاسته، وهو مذهب مالكٍ وأصحابِه وداودَ وغيرِهم ـ كما تقدَّم ـ.

أوَّلًا: أدلَّة الجمهور:

استدلَّ الجمهور على نجاسة سُؤْرِ الكلب وجميع بدنه وأعضائه بالسُّنَّة ومذهبِ الصَّحابي والمعقول على الوجه الآتي:

أمَّا مِن السُّنَّة فاستدلُّوا:

أ/  بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم يأتي دارَ قومٍ مِنَ الأنصار ودونهم دَارٌ، قَالَ: فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: «يَا رَسُولَ اللهِ، سُبْحَانَ اللهِ! تَأْتِي دَارَ فُلَانٍ وَلَا تَأْتِي دَارَنَا!» فقال: فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «لِأَنَّ فِي دَارِكُمْ كَلْبًا»، قالوا: «فإنَّ في دارهم سِنَّوْرًا»، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «إِنَّ السِّنَّوْرَ سَبُعٌ»(١٠)، استدَلَّ الحنفيَّة ومَنْ وافقهم على تنجيس فم الهرِّ وسُؤره بعِلَّة السَّبُعِيَّة؛ غير أنَّ الهرَّ خرج بالنصِّ كما في روايةٍ أخرى بهذا السِّياق: «فقال: إِنَّ فِي دَارِ فُلَانٍ كَلْبًا، فقيل: وفي دار فلانٍ هرَّة، فقال: الهِرَّةُ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ»(١١)، فاستُدِلَّ بالمفهوم على أنَّ الكلب نجس، ونقل ابن عبد البرِّ عن الشافعيِّ في قوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم في الهرِّ: «إِنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسٍ» قولَه: «فيه دليل على أنَّ في الحيوان مِنَ البهائم ما هو نَجِس ـ وهو حيٌّ ـ وما ينجِّس وُلُوغُه، قال: ولا أعلمه إلَّا الكلبَ المنصوص عليه دون غيره، قال: والخنزير شرٌّ منه؛ لأنَّه لا يجوز اقتناؤه ولا بيعه ولا شراؤه عند أحدٍ مع تحريم عينه»(١٢).

ب/  وبحديث الباب في قوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ: أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ»(١٣)، وقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «إِذَا شَرِبَ الكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا»(١٤).

فقوله: «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ» يدلُّ على نجاسة ما وَلَغ فيه الكلب؛ لأنَّ الطَّهارة لا تكون إلَّا عن حَدَثٍ أو نجَسٍ، وقد تعذَّر ـ في هذا المقام ـ حملُه على طهارة الحدث، فتعيَّنت طهارةُ النَّجس، وهي طهارةٌ لإزالة نجاسة ما ولغ فيه الكلب(١٥)، ولا يُقال: إنَّ المراد بالطهارة في الحَدَث هي الطَّهارة اللُّغويَّة؛ لأنَّ المعلوم ـ أصوليًّا ـ أنَّ ألفاظ الشَّرع إذا دارت بين الحقيقة اللُّغويَّة والحقيقة الشَّرعية حُملت على الشَّرعية، فحملُ اللَّفظ على حقيقته الشَّرعية مُقدَّم على اللُّغوية إلَّا إذا قام دليلٌ أو قرينةٌ صارفةٌ إلى المعنى اللُّغوي(١٦).

ج/  وبقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَارٍ»(١٧)، فأمر بإراقة ما وَلَغ فيه الكلب، وقد يكون المولوغُ لَبَنًا أو عَسَلًا وغيرَهما إذ المُراق أعمُّ مِن أن يكون ماءً أو طعامًا؛ فلو لم يكن نَجِسًا لَمَا أمره بإراقته؛ لأنَّه يكون ـ حينئذٍ ـ إتلافَ مالٍ أو تضييعًا له، وقد «نُهِينَا عَنْ إِضَاعَةِ المَالِ»(١٨)(١٩).

هذا، وإذا كان لعابُه نجسًا لوُرُود الأمر بغَسل الإناء منه، فإنَّ فَمَه يأخذ الحُكم نفسَه؛ لأنَّ اللُّعاب مُتحلِّبٌ منه وهو جزءٌ منه، وإذا تقرَّرت نجاسةُ عين فَمِه ـ وهو أشرفُ ما فيه ـ فتَلزم نجاسةُ سائر بدنه وأعضائه مِن بابٍ أَوْلى(٢٠).

د/  وتدلُّ صيغة الأمر في قوله: «فَلْيَغْسِلْهُ» وقولِه: «فَلْيُرِقْهُ» على وجوب غَسل الإناء مِن ولوغ الكلب وإراقته، فهي صيغة الفعل المضارع المقرون بلام الأمر؛ فتفيد ـ في الأصل ـ الوجوبَ، ولا قرينةَ صارفةٌ عن ظاهره(٢١)، إذ لو كان طاهرًا لَمَا أمر وجوبًا بغسله وإراقته، بل لاكتفى باستحباب ذلك له.

وأمَّا مذهب الصَّحابي فاستدلُّوا:

بقول ابن عباسٍ رضي الله عنهما: «إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ في الإِنَاءِ فَاغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَارٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ، ثُمَّ اشْرَبْ مِنْهُ وَتَوَضَّأْ»(٢٢)، فهذا تصريحٌ مِن ابن عباس رضي الله عنهما بنجاسة الكلب، ولم يصحَّ عن أحدٍ مِن الصحابة خلافُه(٢٣).

أمَّا المعقول فقد استدلُّوا ﺑ:

أ/  أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم حرَّم ثمنَ الكلب في حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: «إنَّ رَسُولَ اللهِ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ»(٢٤)، وقال صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم ـ أيضًا ـ: «ثَمَنُ الكَلْبِ حَرَامٌ»(٢٥)، فينبغي أن يكون محرَّمًا مِن جميع الوجوه بما في ذلك بدنه وأعضاؤه، كما حرَّم رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم الخمرَ والميتةَ والخنزيرَ وأثمانَها في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم قال: «إِنَّ اللهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَثَمَنَهَا، وَحَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَثَمَنَهَا، وَحَرَّمَ الْخِنْزِيرَ وَثَمَنَهُ»(٢٦)، فإنَّها مُحرَّمةٌ مِن جميع الوجوه إلَّا ما استثناه الدَّليل، ثمَّ إنَّ هذه المذكوراتِ ـ عندهم ـ مُحرَّمةُ العينِ لنجاستها، وثبت تحريمُ ثمنها، فلا يخرج حكمُ الكلب عنها.

ب/  وبيانه: أنَّ تعليل النَّهي عن ثمن الكلب لا يخلو مِن أحد أهم الوجوه الثلاثة وهي:

«    إمَّا أن يكون لحرمته كالنَّهي عن ثمن الحُرِّ وأمِّ الولد.

      أو يكونَ لعدم منفعته كثمن العقارب والخنافس وغير ذلك ممَّا لا منفعةَ فيه، فيكون صرفُ الثمن فيه مِن إضاعة المال.

      أو يكونَ النَّهي لأجل نجاسته كالنهي عن ثمن الخمر والخنزير والميتة.

فلمَّا بَطَل أن يكون لحرمته لأنَّه لا حرمة له، وليست ـ مع هذا ـ حرمتُه ـ لو كانت له حرمةٌ ـ بأوكدَ مِن حرمة البقر والغنم وقد جاز بيعها، وبَطَل ـ أيضًا ـ أن يكون لعدم منفعته؛ لأنَّ فيه منافعَ كثيرةً موجودة؛ فلم يبق إلَّا أن يكون النهيُ لنجاسته»(٢٧).

ج/  ولأنَّ غسل الإناء وتطهيرَه يختصُّ بموضع الإصابة كسائر النَّجاسات؛ ولأنَّ معنى التطهير إنَّما يلازمه ما يُطهَّر منه وهو النَّجاسة؛ فوجب أن يكون غَسْلَ نجاسةٍ، إذ لو كان للتعبُّد لَمَا اختصَّ بموضع الإصابة كالطَّهارة مِنَ الحَدَث والجنابة(٢٨)؛ لأنَّ الطَّهارة الواجبة في عين البدن لا تكون إلَّا عن نجاسة(٢٩).

ثانيًا:ـ أدلَّة مذهب مالك وأصحابه وداود الظاهري:

احتجَّ هؤلاء القائلون بطهارة الكلب وأنَّ غَسْلَ الإناء مِن وُلُوغه ثبت تعبُّدًا بالكتاب والسُّنَّة والأثر والقياس والمعقول على الوجه التالي:

أمَّا مِن الكتاب فاستدلُّوا ﺑ:

أ/  قوله تعالى: ﴿أَلَمۡ تَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَأَسۡبَغَ عَلَيۡكُمۡ نِعَمَهُۥ ظَٰهِرَةٗ وَبَاطِنَةٗۗ[لقمان: ٢٠]، وقولِه تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا[البقرة: ٢٩]، فاستُدِلَّ بظاهر هاتين الآيتين على أنَّ الأصل في الأشياء والأعيان بعد مجيء الرُّسل وورود الشَّرع: إباحةُ الانتفاع بها كُلِّها، ولا يُباح الانتفاعُ إلَّا بالطَّاهر، إذ «الأَصْلُ فِي الأَعْيَانِ الطَّهَارَةُ»، فكلُّ عينٍ الأصلُ فيها أنَّها مباحةٌ طاهرةٌ إلَّا إذا ثبت الدليل بخلافه، وليس ثمَّةَ دليلٌ ـ عندهم ـ يقضي بنجاسة فَمِ الكلب ولعابِه خاصَّةً، ولا عامَّةِ بدنه وأعضائِه؛ لعدم ثبوت دليلِ النَّجاسة صريحًا وسالِمًا عن المعارضة في أحاديث الباب ولا في غيرها مِنَ الأدلَّة الأخرى، لذلك ﻓ «الأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ»؛ علمًا أنَّ حرمةَ أكلِ بعض الحيوانات لا يَلزم منه نجاستُها كالآدمي(٣٠)، جريًا على قاعدة: «كُلُّ نَجِسٍ مُحَرَّمُ الأَكْلِ، وَلَيْسَ كُلُّ مُحَرَّمِ الأَكْلِ نَجِسًا»، لذلك كان المكلَّف مأمورًا ـ شرعًا ـ بغَسل الإناء مِن وُلوغ الكلب مَع طهارته من باب التعبُّد لا للنَّجاسة(٣١).

ب/  وبقوله تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُۖ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمۡسَكۡنَ عَلَيۡكُمۡ[المائدة: ٤]، فظاهر الآية يدلُّ على إباحة تعليم الكلاب والانتفاع بها في الصَّيد، وحِلِّيةِ أكلِ ما صاده الكلبُ؛ لأنَّه مِن جُملة الجوارح، بل هو الغالبُ المتيسِّر بخلاف الصقور والفهود ونحوِها، فلو كان نَجِسَ العَين لنجَّسَ الصيدَ بمُماسَّته، إذ لا يخلو الصَّيدُ عن التلوُّث بريق الكلاب ولعابهنَّ، ولم نُؤمر بغَسْلِ موضع إمساكِهنَّ؛ فدلَّ ذلك على طهارته(٣٢).

وأمَّا مِنَ السُّنَّة فاستدلُّوا ﺑ:

أ/  قوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ كَلْبَ صَيْدٍ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ ـ كُلَّ يَوْمٍ ـ قِيرَاطٌ»(٣٣)، وفي حديثٍ آخَرَ: أنَّ رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم قال: «مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ انْتَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ»(٣٤).

والحديثان يدلَّان على جواز اقتناء كلب الصَّيد أو الماشية أو الزَّرع والانتفاع به، وقد أجمع العلماء على ذلك، فصار الكلب مِن جُملة الحيوان الطَّاهر الذي أباح لنا الشَّرعُ الانتفاعَ به مِن غير ضرورة(٣٥).

ب/  وبقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم لعَدِيِّ بن حاتمٍ رضي الله عنه: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ فَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِذَا أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ»(٣٦).

والحديث يدلُّ ـ أيضًا ـ على جواز اقتناء الكلب وتعليمه والانتفاع به في الصَّيد وإباحة أكلِ ما صاده بأنيابه ومخالبه، ولم يُقيِّد ذلك بغسل موضع فمه، إذ «تَأْخِيرُ البَيَانِ عَنْ وَقْتِ الحَاجَةِ لَا يَجُوزُ»، ولم يُنقل عن أحدٍ أنَّ عليه أَنْ يغسله ـ لزومًا ـ بعد اصطياده، لذلك «قال مالك ـ رحمه الله ـ: كيف يُؤكل صيدُه ويكون لعابه نجسًا»(٣٧).

ولو سُلِّم ـ جَدَلًا ـ أنَّه يُغسَل بالماء فلم يرتفع ما يدخل مِنْ رِيقه في لحمه، وإذا جاز أكلُه بنصِّ الحديث سواء بغير غسل أو بغسل، وهو يعلم أنه لم يرتفع ما شاع فيه مِن ريق الكلب ولعابِه عند ملاقاة أنيابه ومخالبه بالمماسة للرُّطوبة التي فيه مِن دَمٍ وغيره فإنَّ جواز أكل ما صاده الكلب على هذه الحال يدلُّ ـ بوضوح ـ على أنَّه طاهر(٣٨).

ج/  وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «أَنَّ رَجُلًا رَأَى كَلْبًا يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ، فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَرْوَاهُ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ»(٣٩).

استُدِلَّ بظاهر هذا الحديث على طهارة سُؤْرِ الكلب؛ لأنَّ الرَّجل سَقَى الكلبَ في خُفِّه، فلو كان نجسًا لَمَا سقى له فيه(٤٠) أو لكان عليه أَنْ يغسله بعد شُرب الكلب منه قبل لُبسِه، ولم يذكر أنه فَعَل ذلك.

د/  وبحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: «كُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، وَكُنْتُ فَتًى شَابًّا عَزَبًا، وَكَانَتِ الْكِلَابُ تَبُولُ، وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ»(٤١).

ففي الحديث دليلٌ على طهارة الكلب؛ لأنَّ إقباله وإدباره ـ في المسجد ـ مع نفي الغَسل والرَّش يدلُّ على طهارته، إذ لو كان الكلب نجسَ العينِ لَمَا جاز أن يَنتاب أماكنَ العبادات الطَّاهرة لئلَّا يمتهنها، ولزم ـ حالتئذٍ ـ تطهيرُها بالغَسل أو الرَّش ولم يحدث شيءٌ مِن ذلك ممَّا يوجب غسلًا أو نضحًا، هذا مِن جهة(٤٢).

واستُدِلَّ بهذا الحديث ـ مِن جهة أخرى ـ على طهارة سُؤْرِ الكلب «لأنَّ مِنْ شأن الكلاب أن تتبع مواضع المأكول، وكان بعض الصحابة لا بيوتَ لهم إلَّا المسجد؛ فلا يخلو أن يصل لعابها إلى بعض أجزاء المسجد»(٤٣).

/  وبما رُوِيَ عنه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم ـ حين سُئِلَ عن الحياض التي بين مكة والمدينة تَرِدُهُ السِّباع والكلابُ ـ: «لَهَا مَا أَخَذَتْ فِي بُطُونِهَا، وَلَنَا مَا بَقِيَ: شَرَابٌ وَطَهُورٌ»(٤٤)، واسْتُدِلَّ بالحديث على طهارة الكلاب؛ لأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم قال فيما بقي من الماء الذي ولغت فيه الكلاب: «شَرَابٌ وَطَهُورٌ»، ولم يُفصِّلِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم في قدر الماء الذي وَلَغت فيه الكلاب بين الكثير والقليل فكان جوابه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم شاملًا لهما؛ لأنَّ «تَرْكَ الاِسْتِفْصَالِ فِي مَقَامِ الاِحْتِمَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ العُمُومِ فِي المَقَالِ»، إذ لو كان يختلف حُكمه بين قليله وكثيره لبَيَّنه النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، و«تَأْخِيرُ البَيَانِ عَنْ وَقْتِ الحَاجَةِ لَا يَجُوزُ»(٤٥).

و/  ومثله في هذا المعنى ـ أيضًا ـ ما رُوِيَ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم أنَّه سُئل: «أَنَتَوَضَّأُ بِمَا أَفْضَلَتِ الحُمُر؟» قال: «نَعَمْ، وَبِمَا أَفْضَلَتِ السِّبَاعُ كُلُّهَا»(٤٦).

ويؤيِّده الأثر الذي أخرجه مالك ـ رحمه الله ـ في «الموطأ»: أنَّ عمر رضي الله عنه خرج في ركبٍ فيهم عمرو بن العاص رضي الله عنه حتى وردوا حوضًا، فقال عمرو بن العاص لصاحب الحوض: «يَا صَاحِبَ الحَوْضِ، هَلْ تَرِدُ حَوْضَكَ السِّبَاعُ؟» فقال عمر بن الخطاب: «يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ، لَا تُخْبِرْنَا، فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ وَتَرِدُ عَلَيْنَا»(٤٧).

فاحتُجَّ بهما على أنَّ سُؤْرَ الكلب طاهر؛ لأنَّ الكلب سَبُعٌ فاندرج في عموم السِّباع، واستُفيد العموم مِنْ دخول الألف واللَّام على اسم «السِّباع» فهي تدلُّ على العموم سواء كان الاسم مفردًا أو جمعًا(٤٨)؛ علمًا أنَّه لم يُفرِّق بين السِّباع التي مِن جُملتها الكلب، ولم يُفرِّق ـ أيضًا ـ بين قَدْرِ الماء مِن جهة قِلَّته وكثرته(٤٩)، قال ابن العربي ـ رحمه الله ـ: «فإنَّ الكلب اسمٌ للجنس، يدخل تحته جميع السِّباع لأنَّها كلاب، وقد رُوِيَ عنه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم أنَّه قال في عُتيبة(٥٠) بن أبي لَهَب: «اللَّهُمَّ سَلِّط عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِكَ»(٥١) فعَدَا عليه الأَسَدُ فقتلَهُ»(٥٢).

 وأمَّا من القياس فاستدلُّوا ﺑ:

أ/  إلحاق الكلب بالهِرَّة في قوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ؛ إِنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ»(٥٣)، ووجه دلالة القياس تظهر مِن جهتين:

الأولى: جهة الشمول: أنَّ في الحديث دليلًا على طهارة الهِرَّة وسُؤرها لنفي النجاسة عنها، وهي معدودة من السِّباع لقوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «السِّنَّورُ سَبُعٌ»(٥٤)، إذ هي تفترس الحيَّ ولا ترعى الكَلَأَ، فنبَّه الحديث على شمول ما هو مثلُها في الطَّهارة؛ لأنَّ أمر السِّباع واحد(٥٥).

الثانية: جهة الإيماء(٥٦): أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم علَّل طهارةَ الهِرَّة بأنَّها مِن «الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ»، وإذا كانت عِلَّة طهارة الهِرَّة هي التَّطواف فينبغي أن يجريَ في الكلب مِن بابٍ أَوْلى؛ لأنَّ الكلب أشدُّ تَطوافًا مِن الهرِّ، وخاصَّةً كلب الزَّرع والضَّرع والصَّيد(٥٧).

قال ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ عن الحديث: «فيه دليل على أنَّ ما أُبيح لنا اتخاذه فسُؤره طاهر، لأنَّه مِن الطَّوَّافين علينا: ومعنى الطَّوَّافين علينا: الذين يداخلوننا ويخالطوننا»(٥٨).

ب/  وقياس الكلب والخنزير على الشَّاة الحامل بجامع الحياة وإثباته بمسلك الدوران(٥٩)، قال التلمساني ـ رحمه الله ـ: «وبيان أنَّ الحياة عِلَّة الطَّهارة: هو أنَّ الشَّاة إذا ماتت وفي بطنها جنين حَيٌّ حَكَمنا على جميع أجزائها بالنَّجاسة، وعلى ذلك الجنين بالطهارة، فَلمَّا دارت الطَّهارة مع الحياة وُجودًا وعدمًا، علمنا أنَّ الحياة عِلَّةُ الطَّهارة»(٦٠).

 وأمَّا من المعقول استدلُّوا ﺑ:

أنَّ الكلب حَيٌّ ذو روحٍ فوجب أن يكون طاهرًا أو وَجَب أن يكون غيرَ نجسٍ، فالحياةُ تنافي التنجيس كسائر الحيوان المتَّفَق عليه(٦١)، بل الحياة عِلَّة الطَّهارة لأنَّه «لَمَّا كان الموتُ مِنْ غير ذَكَاةٍ هو سبب نجاسةِ عينِ الحيوان بالشَّرع، وجب أن تكون الحياة هي سببَ طهارة عين الحيوان، وإذا كان ذلك كذلك فكلُّ حَيٍّ طاهرُ العَينِ(٦٢)، وكلُّ طاهرِ العينِ فسُؤْرُهُ طاهرٌ»(٦٣).

ولأنَّ الكلب حيوانٌ حيٌّ يصحُّ إجارته والوصية به فوجب ـ أيضًا ـ أن يكون طاهرًا، قال القاضي عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ: «وينبني الكلام على صِحَّة مِلكه فنقول: لأنَّه حيوان يصحُّ إجارتُه فصحَّ مِلكه كالفَرَس والشَّاة، ولا يَنتَقِضُ بالحُرِّ وأُمِّ الولد؛ لأنَّ جنس الآدميِّين يصحُّ مِلكُهم؛ ولأنَّ الوصية به عند الشافعي تصحُّ، وكلُّ حيوانٍ صحَّت الوصية به كان طاهرًا، أصله ما ذكرناه، ولأنَّ النَّجس لا تجوز الوصية به كالخمر وغيره»(٦٤).

ـ يُتبَع ـ



(١) أخرجه مسلم في «الطهارة» (٣/ ١٨٣) باب حكم ولوغ الكلب، وأبو داود في «الطهارة» (١/ ٥٧) باب الوضوء بسُؤْر الكلب، والترمذي في «الطهارة» (١/ ١٥١) باب ما جاء في سُؤْر الكلب، والنسائي في «المياه» (١/ ١٧٧) باب تعفير الإناء بالتراب من ولوغ الكلب فيه.

(٢) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه بهذا اللفظ البخاري في «الوضوء» (١/ ٢٧٤) باب الماء يُغسل به شعرُ الإنسان، ومسلم في «الطهارة» (٣/ ١٨٢) من طريق مالك؛ انظر: «الموطأ» كتاب «الطهارة» (١/ ٥٥) باب جامع الوضوء.

(٣) أخرجه مسلم في «الطهارة» (٣/ ١٨٢) باب حكم ولوغ الكلب، والنسائي في «المياه» (١/ ١٧٦) باب سُؤْر الكلب.

(٤) أخرجه مسلم في «الطهارة» (٣/ ١٨٣) باب حكم ولوغ الكلب، وأبو داود في «الطهارة» (١/ ٥٩) باب الوضوء بسُؤْر الكلب، والنسائي في «المياه» (١/ ١٧٧) باب تعفير الإناء بالتراب من ولوغ الكلب فيه، وابن ماجه في «الطهارة» (١/ ١٣٠) باب غَسْل الإناء من ولوغ الكلب، وتمامُه: أنَّ عبد الله بنَ مُغَفَّل قال: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم بِقَتْلِ الكِلَابِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الكِلَابِ؟» ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَكَلْبِ الْغَنَمِ، وَقَالَ: «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ...» الحديث.

(٥) انظر: «الأم» للشافعي (١/ ٥، ٦)، «تحفة الفقهاء» للسمرقندي (١/ ١٠٢)، «بدائع الصنائع» للكاساني (١/ ٩٦)، «المغني» لابن قدامة (١/ ٤٦، ٥٢)، «المجموع» للنَّووي (٢/ ٦٥٧)، «الإنصاف» للمرداوي (١/ ٢٩٤).

(٦) انظر: «شرح العمدة» لابن تيمية (١/ ٣٦)، و«فتح الباري» لابن حجر (١/ ٢٧٦).

(٧) ونَسَبَ هذا القولَ إلى داود: ابنُ القصَّار في «عيون الأدلَّة» (٢/ ٧٣٢)، وابنُ عبد البرِّ في «الاستذكار» (١/ ٢٠٨)، وابنُ العربي في «المسالك» (٢/ ١٢٤)، والنَّوويُّ في «المجموع» (٢/ ٥٦٧).

(٨) انظر: «عيون الأدلَّة» لابن القصَّار (٢/ ٧٣٢)، «الإشراف» للقاضي عبد الوهَّاب (١/ ١٧٧)، «التمهيد» (١٨/ ٢٧١ ـ ٢٧٢) و«الاستذكار» (١/ ٢٠٦ ـ ٢٠٨) كلاهما لابن عبد البرِّ، «المنتقى» للباجي (١/ ٦٢)، «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٨).

(٩) «التمهيد» لابن عبد البرِّ (١٨/ ٢٦٩) [بتصرف]، وانظر: «الإشراف» للقاضي عبد الوهَّاب (١/ ١٧٨)، و«المسالك» لابن العربي (٢/ ١٢٥).

(١٠) أخرجه أحمد في «مسنده» (٢/ ٣٢٧)، والدارقطني في «الطَّهارة» (١/ ٦٢) باب الآسار، والحاكم في «المستدرك» (١/ ١٨٣)، والبيهقي في «السُّنن الكبرى» في «الطَّهارة» (١/ ٢٤٩) باب سُؤر الهِرَّة، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

والحديث ضعَّفه الألباني في «السِّلسلة الضعيفة» (٤/ ٢٢)، والأرناؤوط في تعليقه على «مسند أحمد» (١٤/ ٨٥)، [وانظر: «نصب الراية» للزيلعي (١/ ١٣٥)، و«التلخيص الحبير» لابن حجر (١/ ٢٥)].

(١١) الحديث لا يُعرف أصلًا بهذا السِّياق في كُتُب الحديث؛ انظر: «طرح التثريب» للعراقي (٢/ ١٢٣)، «التلخيص الحبير» لابن حجر (١/ ٢٥).

(١٢) «التمهيد» لابن عبد البر (١٨/ ٢٧٢).

(١٣) تقدَّم تخريجه، انظر: (الهامش 1).

(١٤) تقدَّم تخريجه، انظر: (الهامش 2).

(١٥) انظر: «المجموع» (٢/ ٥٦٧) و«شرح مسلم» (٣/ ١٨٤) كلاهما للنَّووي، «شرح الإلمام» لابن دقيق (٢/ ٢١٩)، «فتح الباري» لابن حجر (١/ ٢٧٦)، «سُبل السلام» للصَّنعاني (١/ ٥٢).

(١٦) المصادر السابقة.

(١٧) تقدَّم تخريجه، انظر: (الهامش 3).

(١٨) انظر الحديثَ المتَّفَق عليه الذي أخرجه البخاري في «الرقائق» (١١/ ٣٠٦)، باب ما يُكره مِن قِيلَ وقال، ومسلم في «الأقضية» (١١/ ١٣) باب النهي عن كثرة المسائل مِن غير حاجةٍ، مِن حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: فإنِّي سمعت رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم يقول: «إِنَّ اللهَ حَرَّمَ ثَلاثًا وَنَهَى عَنْ ثَلَاثٍ: حَرَّمَ عُقُوقَ الوَالِدِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَلَا وَهَاتِ، وَنَهَى عَنْ ثَلَاثٍ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ» واللفظ لمسلم.

(١٩) «المجموع» (٢/ ٥٦٧) و«شرح مسلم» (٣/ ١٨٤) كلاهما للنووي، وانظر: «معالم السنن» للخطَّابي (١/ ٥٨)، «فتح الباري» لابن حجر (١/ ٢٧٥)، «سبل السلام» للصنعاني (١/ ٥٢).

(٢٠) انظر: «شرح الإلمام» (٢/ ٢٢٢) و«إحكام الأحكام» (١/ ٢٧) كلاهما لابن دقيق، «نيل الأوطار» للشوكاني (١/ ٦٤).

(٢١) تقدَّم ذِكره في الفوائد والأحكام المستنبطة من هذا الحديث، الفائدة رقم: ١٢.

(٢٢) رواه ابن المنذر في «الأوسط» (١/ ٣٠٦)، وانظر: «التمهيد» لابن عبد البر (١٨/ ٢٦٨)، والحديث موقوف عن ابن عباس رضي الله عنهما، صحَّحه ابن حجر في «الفتح» (١/ ٢٧٦) بقوله: «رواه محمَّد بن نصر المروزي بإسناد صحيح».

(٢٣) «فتح الباري» لابن حجر (١/ ٢٧٦).

(٢٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاري في «البيوع» (٤/ ٤٢٦) باب ثمن الكلب، ومسلم في «المساقاة» (١٠/ ٢٣١) باب تحريم ثمن الكلب، من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه؛ وتمامه: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ، وَمَهْرِ البَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الكَاهِنِ».

(٢٥) أخرجه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (٣٦٠)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٤/ ٥٢)، والطبراني في «المعجم الكبير» رقم (١٢٦٠١)، من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال الألباني عَقِبَه في «السلسلة الصحيحة» (٤/ ٤٢٢): «وهذا إسناد جيِّد».

(٢٦) أخرجه أبو داود في «البيوع والإجارات» (٣/ ٧٥٦) باب في ثمن الخمر والميتة، والدارقطني في «البيوع» (٣/ ٧)، والبيهقي في «السنن الكبرى» في «البيوع» (٦/ ١٢)، باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام؛ والحديث صحَّحه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (٢/ ٣٦٩).

(٢٧) «عيون الأدلة» لابن القصار (٢/ ٧٤٩).

(٢٨) انظر: المصدر السابق (٢/ ٧٥٨)، «رؤوس المسائل الخلافية» للعكبري (١/ ٩٠)، «المغني» لابن قدامة (١/ ٤٧).

(٢٩) انظر: «شرح العمدة» لابن تيمية (١/ ٣٦).

(٣٠) انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (١/ ٩٧).

(٣١) انظر: «الاستذكار» (١/ ٢٠٦) و«التمهيد» (١٨/ ٢٦٩) كلاهما لابن عبد البر.

(٣٢) انظر: «عيون الأدلة» لابن القصار (٢/ ٧٣٣)، «عارضة الأحوذي» لابن العربي (١/ ١٣٥)، «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٩)، «المجموع» للنَّووي (٢/ ٥٦٧)، «نيل الأوطار» للشوكاني (١/ ٦٤).

(٣٣) أخرجه مسلم في «المساقاة» (١٠/ ٢٣٨) باب الأمر بقتل الكلاب، والترمذي في «الأحكام والفوائد» (٤/ ٧٩) باب ما جاء: من أمسك كلبًا ما ينقص من أجره، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(٣٤) أخرجه مسلم في «المساقاة» (١٠/ ٢٤٠) باب الأمر بقتل الكلاب، وأبو داود في «الصيد» (٣/ ٢٦٦) باب في اتخاذ الكلب للصَّيد وغيره، والترمذي في «الأحكام والفوائد» (٤/ ٨٠) باب ما جاء: من أمسك كلبًا ما ينقص من أجره، والنسائي في «الصيد» (٧/ ١٨٩) باب الرخصة في إمساك الكلب للحرث، وابن ماجه في «الصيد» (٢/ ١٠٦٩) باب النهي عن اقتناء الكلب إلَّا كلب صيدٍ أو حرثٍ أو ماشيةٍ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(٣٥) انظر: «عيون الأدلة» لابن القصار (٢/ ٧٣٤).

(٣٦) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاري في «الوضوء» (١/ ٢٧٩) باب الماء الذي يُغسل به شعر الإنسان، ومسلم في «الصَّيد والذَّبائح» (١٣/ ٧٣) باب الصيد بالكلاب المعلَّمة، وأبو داود في «الصيد» (٣/ ٢٦٩) باب في الصيد، وابن ماجه في «الصيد» (٢/ ١٠٧٠) باب صيد الكلب، من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه.

(٣٧) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (١/ ٢٧٩).

(٣٨) انظر: «عيون الأدلة» لابن القصار (٢/ ٧٣٤)، «فتح الباري» لابن حجر (١/ ٢٧٩).

(٣٩) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاري في «الوضوء» (١/ ٢٧٨) باب الماء الذي يُغسل به شعر الإنسان، ومسلم في «السلام» (١٤/ ٢٤١) باب فضل سقي البهائم المحترَمة وإطعامها، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(٤٠) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (١/ ٢٧٨).

(٤١) أخرجه أبو داود في «الطهارة» (١/ ٢٦٥) باب في طهور الأرض إذا يبست، وأخرجه البخاري في «الوضوء» تعليقًا بصيغة الجزم (١/ ٢٧٨) باب الماء الذي يُغسل به شعرُ الإنسان؛ والحديث صحَّحه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (١/ ١١٢ ـ ١١٣).

(٤٢) انظر: «المجموع» للنووي (٢/ ٥٦٧)، «فتح الباري» لابن حجر (١/ ٢٧٨)، «نيل الأوطار» للشوكاني (١/ ٦٤).

(٤٣) «فتح الباري» لابن حجر (١/ ٢٧٩).

(٤٤) أخرجه الدارقطني في «الطهارة» (١/ ٢٥) باب الماء المتغيِّر، وعنه ابن الجوزي في «التحقيق» (١/ ٦٦)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وإسناده ضعيف، وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه رواه ابن ماجه في «الطهارة وسننها» (١/ ١٧٣) باب الحياض بلفظ: «لَهَا مَا حَمَلَتْ فِي بُطُونِهَا، وَلَنَا مَا غَبَرَ طَهُورٌ»، والحديث ضعَّفه الألباني في «السلسلة الضعيفة» (٤/ ١١٢) رقم: (١٦٠٩)، وفي «ضعيف سنن ابن ماجه» (٤٥).

(٤٥) انظر: «عيون الأدلة» لابن القصار (٢/ ٧٣٥)، «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٩).

(٤٦) أخرجه الشافعي في «مسنده» (٨)، والدارقطني في «الطهارة» (١/ ٦١) باب الآسار، والبيهقي في «السنن الكبرى» (١/ ٢٤٩، ٢٥٠)، والبغوي في «شرح السنة» (٢/ ٧١) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ والحديث في سنده: الحصين والد داود وهو ضعيف؛ [انظر: «نصب الراية» للزيلعي (١/ ١٣٦)، «الدراية» (١/ ٦٢) و«التلخيص الحبير» (١/ ٢٩) و«تهذيب التهذيب» (٣/ ١٨١) كُلُّها لابن حجر، «تخريج أحاديث المشكاة» للألباني (١/ ٦٢)].

(٤٧) أخرجه مالك في «الموطأ» كتاب «الطهارة» (١/ ٤٦) باب الطهور للوضوء، وعبد الرزاق في «المصنف» كتاب «الطهارة» (١/ ٧٦، ٧٧) باب الماء تَرِده الكلاب والسباع، والدارقطني في «السنن» كتاب «الطهارة» (١/ ٢٦) باب الماء المتغيِّر، كُلُّهم من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، قال الأرناؤوط في تحقيقه على «شرح السنة» للبغوي (١/ ٧١): «ورجاله ثقات، وفي سماع يحيى مِن عمر نظر» أي: في هذا الأثر انقطاع؛ لأنَّ يحيى بن عبد الرحمن لم يدرك عمر رضي الله عنه، قال الرازي في «الجرح والتعديل» (٩/ ١٦٥): «يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة اللخمي حليف بني أسد بن عبد العزى، يكنى: أبا محمَّد، مديني وُلِد في خلافة عثمان رضي الله عنه وتُوُفِّيَ سنةَ أربعٍ ومائة».

(٤٨) انظر: «مفتاح الوصول» للتلمساني (٥٤٨ ـ ٥٥٠)، والمصادر الأصولية المثبتة في هامشه.

(٤٩) انظر: «عيون الأدلة» لابن القصَّار (٢/ ٧٣٧)، انظر: «المنتقى» للباجي (١/ ٦٢)، «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٩).

(٥٠) وفي «المسالك»: «عتبة بن أبي لهب» وهو غلط، وإنَّما صاحب القصَّة هو عُتيبة بالتصغير أخو عتبة؛ لأنَّ عُتبةَ بن أبي لهب بقي حتَّى يومِ فتح مَكَّة، وهو مذكورٌ في الصَّحابة دون أخيه الذي مات كافرًا؛ [انظر: «كشف المشكل من حديث الصحيحين» لابن الجوزي (٢/ ٥٤٤)، «الإفصاح عن معاني الصحاح» لابن هبيرة (٧/ ١١٤)، «فتح الباري» لابن حجر (٥/ ١٩٦)].

(٥١) أخرجه الحاكم في «المستدرك» (٢/ ٥٥٨)، مِن طريق أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه، وقال: «صحيح الإسناد ولم يُخرجاه»، ووافقه الذَّهبيُّ، وحَسَّنه الحافظُ في «الفتح» (٤/ ٣٩).

(٥٢) «المسالك» لابن العربي (٢/ ١٢٦).

(٥٣) أخرجه أبو داود في «الطهارة» (١/ ٦٠) باب سُؤر الهرَّة، والترمذي في «أبواب الطهارة» (١/ ١٥٣) ما جاء في سؤر الهِرَّة، والنَّسائي في «الطهارة» (١/ ٥٥) باب سُؤْرِ الهِرَّة، وفي «المياه» (١/ ١٧٨) باب سُؤر الهرَّة، وابن ماجه في «الطهارة» (١/ ١٣١) باب الوضوء بسؤر الهرَّة والرُّخصة في ذلك، ومالك في «الطهارة» (١/ ٤٦) باب الطهور للوضوء، من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.

والحديث صحَّحه الترمذي (١/ ١٥٤) وابن خزيمة في «صحيحه» (١/ ٥٥)، وقال ابن حجر في «التلخيص الحبير» (١/ ٤١): «وصحَّحه البخاري والترمذي والعقيلي والدارقطني»، وصحَّحه ـ أيضًا ـ الألباني في «إرواء الغليل» (١/ ١٩٢).

(٥٤) ضعيف: تقدَّم تخريجه، انظر: (الهامش 10).

(٥٥) انظر: «عيون الأدلة» لابن القصار (٢/ ٧٣٩).

(٥٦) الإيماء مراتب، وهذه هي إحدى مراتبه: أن يَذكر صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم ـ مع الحكم ـ وصفًا يَبعُدُ أن يأتيَ به لغير التعليل، أي: فلو لم يكن التَّطواف في الحديث عِلَّةً لنفي النَّجَاسة لم يكن لذِكره ـ مع هذا الحكم ـ فائدة؛ لأنَّه قد عُلم أنَّها مِنَ الطوافات؛ [انظر: «مفتاح الوصول» للتلمساني ـ بتحقيقي ـ (٧٥٨)، والمصادر المثبتة على هامشه].

(٥٧) انظر: «عيون الأدلة» لابن القصار (٢/ ٧٣٩)، «المسالك» لابن العربي (٢/ ١٢٥).

(٥٨) «التمهيد» (١/ ٣١٩) و«الاستذكار» (١/ ١٦٤) كلاهما لابن عبد البر.

(٥٩) الدوران: هو أن يوجد الحُكم عند وجود الوصف، ويُعدمَ عند عَدمه، فيُعلم أنَّ ذلك الوصفَ عِلَّةُ ذلك الحكم. [انظر تعريف الأصوليِّين للدوران في المصادر المثبتة في هامش «مفتاح الوصول» للتلمساني (٧٧٢)].

(٦٠) «مفتاح الوصول» للتلمساني (٧٧٣)، وانظر: «عارضة الأحوذي» لابن العربي (١/ ١٣٤).

(٦١) انظر: «الإشراف» للقاضي عبد الوهاب (١/ ١٧٧)، «عيون الأدلة» لابن القصار (٢/ ٧٤٣).

(٦٢) انظر طهارة الكلب والخنزير عند المالكية: في «التفريع» لابن الجلاب (١/ ٢١٤)، «عيون الأدلة» لابن القصار (٢/ ٧٤٣)، «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٨)، «القوانين الفقهية» لابن جزي (٤٠)، «انتصار الفقير السالك» للراعي الأندلسي (٢٥٨).

(٦٣) «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٨).

(٦٤) «الإشراف» للقاضي عبد الوهاب (١/ ١٧٧).