في خطر السفر إلى ديار الكفر على دين المسلم | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الخميس 9 شوال 1445 هـ الموافق لـ 18 أبريل 2024 م



الفتوى رقم: ٧٥٣

الصنـف: فتاوى متنوِّعة - الرقائق

في خطر السفر إلى ديار الكفر على دين المسلم

السـؤال:

أنا أستاذٌ جامعيٌّ أسافرُ كُلَّ سنةٍ إلى بلاد الكفر من أجل البحث العلمي، وفي يومٍ من الأيَّام وبينما أنا داخل الحافلة، جَلَسَتْ إلى جنبي فتاةٌ بدأت تلامس يدي وأماكنَ حسَّاسةً من جسدي ممَّا أثار غريزتي وشهوتي فخرج منِّي المني، وأنا إلى اليوم متحسِّرٌ ونادمٌ على ما اقترفتُ، فما حكم هذا العمل؟ وما يلزمني؟ وما هي نصيحتكم؟ وبارك الله فيكم.

الجواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

فلا يخفاك أنَّ مساكنةَ أهل الكفر في ديارهم والإقامةَ بين أَظْهُرِهِمْ تُورثُ المشاكلةَ والانصهارَ، وفيها خَطَرٌ على دِينِ المسلمِ وعلى أخلاقِهِ، خاصَّةًَ مَن يرى نفسَهُ بعيدًا عن أنظار ذويه من المقرَّبين أو إخوانِه، لذلك ينبغي على المرء إذا اقتضت الحاجةُ الذهابَ إلى هذه البلدانِ أن يصون نفسَهُ بعلم الشريعة وبإظهار شعائرِها حتى يأمن الفتنةَ، وأن يجعل اللهَ رقيبًا على أفعاله حتى يحرص على الابتعاد عن أماكن الهوى وبُؤَرِ الفتنة، ومع ذلك إن وقع في مثل محظورك الذي هو وسيلةٌ إلى الزنا والفاحشة المحرَّمةِ شرعًا فإنه دون المقصد المحرَّم، إذ الوقوعُ في الوسائل المحرَّمة ليس كالوقوع في مقاصدها من حيث الجزاءُ والعقاب، ولا يترتَّب على الوسيلة المحرَّمة كالاختلاط الماجن والخلوة الآثمة وغيرها ممَّا هي ذرائع إلى المحرَّمات إلاَّ التوبة النصوح المتمثِّلة في الندم على ما ارتكبَ والإقلاعِ عنه وعدمِ الإصرار عليه من مكفِّرات الآثام مهما عظمت خاصَّةً إذا استتبعها بالعمل الصالح، قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: ٥٣]، وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان: ٦٩-٧٠]، وقال صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ»(١)، وقال صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ»(٢).

والعودةُ إلى الله والإنابةُ إليه مرفقةً بالعمل الصالح مع عزيمةٍ وثباتٍ وصَبْرٍ لَهِي أعظم طُرُقِ الاستقامة والاعتدال الموصِلة إلى رضوانه سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا﴾ [الجن: ١٦].

نسألُ اللهَ سبحانه وتعالى لنا ولكم الهدايةَ والرشاد وقَبولَ الأعمال والاستقامة على الهدى والخير، وأن يبعدنا وإياكم من الزَّلَلِ والخطأ والفتن ما ظهر منها وما بطن.

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٤ صفر ١٤٢٨ﻫ
الموافق ﻟ: ١٣ مارس ٢٠٠٧م


(١) أخرجه ابن ماجه في «الزهد» باب ذكر التوبة (٤٢٥٠)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. قال ابن حجر في «فتح الباري» (١٣/ ٥٥٧) «سنده حسنٌ»، وحسَّنه الألباني في «صحيح الجامع» (٣٠٠٨).

(٢) أخرجه مسلم في «التوبة» (٢٧٤٩) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.