في الاحتجاج بخبر الواحد في القطعيات | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
السبت 21 المحرم 1446 هـ الموافق لـ 27 يوليو 2024 م

الفتوى رقم: ٧٥٤

الصنف: فتاوى أصول الفقه والقواعد الفقهيَّة ـ أصول الفقه

في الاحتجاج بخبر الواحد في القطعيَّات

السؤال:

قال العلَّامةُ ابنُ باديس ـ رحمه الله ـ في «تفسيره»: «إنَّ السُّنَّة النبويةَ والقرآن لا يتعارضان، ولهذا يُرَدُّ خبرُ الواحد إذا خالف القطعيَّ مِن القرآن»، فما هو تعليقكم؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فإنَّ ما قرَّره ابنُ باديس في تفسيره مِنْ أنَّ خبرَ الواحدِ لا يُقبَلُ إذا خالفه القطعيُّ هو مذهبُ المعتزلة وبعضِ المتكلِّمين، وبه قال أبو الحسين البصريُّ والسمرقنديُّ والقَرافيُّ والصفيُّ الهنديُّ وغيرُهم(١)؛ وهو مخالفٌ لأكثرِ أهل الفقه والحديث؛ قال ابنُ عبد البرِّ ـ رحمه الله ـ: «وعلى ذلك أكثرُ أهلِ الفقه والأثرِ، وكُلُّهم يَدينُ بخبر الواحد العدل في الاعتقادات، ويعادي ويوالي عليها، ويجعلها شرعًا ودِينًا في مُعتقَده، على ذلك جماعةُ أهلِ السُّنَّة»(٢).

وعمومُ نصوصِ الكتاب والسُّنَّة تقضي بوجوبِ قَبول خبرِ الواحد مُطلقًا مِنْ غير تفريقٍ بين القطعيِّ والظنِّيِّ، فقَدْ أَوجبَ اللهُ تعالى الحذرَ بقول الواحد في قوله تعالى: ﴿فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ ١٢٢[التوبة]، كما جَعَل عِلَّةَ ردِّ الأخبار هي الفسقَ لا الوحدة في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ ٦[الحجرات]، وقد دعا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم لحامِلِ الفقه وأَقرَّهُ على الرواية مِنْ غير تفريقٍ بين الفقيه وغيره في قوله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ»(٣).

هذا، وسَلَفُ الأُمَّة مِنَ الصحابة فمَنْ بعدهم كانوا يتلقَّوْن أخبارَ الآحاد في القطعيَّات والظنِّيَّات ويُثبِتُونها بدون ردٍّ لأيٍّ منها لمجرَّد كونه خبرَ آحادٍ في القطعيَّات، ويدلُّ لذلك روايتُهم لتلك الأخبارِ وتناقُلُها وتلقِّيها وتحصيلُها ونقلُها وتفسيرها بمقتضى اللغة بما يليق بها والقولُ بمدلولها، بل إنهم أدخلوا مَفادَ تلك الأخبارِ في مُعتقَداتهم وصَرَّحوا بتبديعِ مُخالِفها أو تفسيقِه أو تخطئتِه(٤).

وعليه، فإنَّ أقوى الأقوالِ دليلًا وأصحَّها نظرًا مذهبُ الجمهور القائلين بصِحَّة الاحتجاج بخبرِ الواحد المرفوعِ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم بإسنادٍ صحيحٍ سواءٌ في القطعيَّات أو الظنِّيَّات، وضعفُ أدلَّةِ ما سواه مُثْبَتٌ في مَوْضِعِهِ.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١ رمضان ١٤٢٨ﻫ
الموافق ﻟ: ١٣ سبتمبر ٢٠٠٧م

 



(١) انظر: «المُعتمَد» لأبي الحسين البصري (٢/ ٩٦، ١٠٢)، «العُدَّة» لأبي يعلى (٢٤٥٩)، «الكفاية» للخطيب البغدادي (٤٣٢)، «ميزان الأصول» للسمرقندي (٢/ ٧٥، ٨١)، «المحصول» للفخر الرازي (٢/ ٢١٧)، «المسوَّدة» لآل تيمية (٢٤٩)، «كشف الأسرار» للبخاري (٣/ ٢٧)، «البحر المحيط» للزركشي (٤/ ٢٥٧).

(٢) «التمهيد» لابن عبد البرِّ (١/ ٨).

(٣) أخرجه أبو داود في «العلم» باب فضل نشر العلم (٣٦٦٠)، والترمذيُّ في «العلم» بابُ ما جاء في الحثِّ على تبليغ السماع (٢٦٥٦)، مِنْ حديثِ زيد بنِ ثابتٍ رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٤٠٤)، والوادعيُّ في «الصحيح المسند» (٣٥٨).

(٤) انظر: «التمهيد» لابن عبد البرِّ (١/ ٨)، «الصواعق المُرسَلة» لابن القيِّم ـ باختصار الموصلي ـ (٢/ ٨ ـ ٦).