في حكم تشييخ الحدث | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
السبت 21 المحرم 1446 هـ الموافق لـ 27 يوليو 2024 م

الفتوى رقم: ١٠١٤

الصنف: فتاوى متنوِّعة ـ العلم والعلماء

في حكم تشييخ الحدث

السؤال:

قد كَثُرَ في هذا الزمانِ التلقيبُ بالشيخ لكُلِّ مَنْ تَصَدَّرَ للتدريس أو الدعوة، حتَّى ولو كان مستواه عاديًّا جدًّا، فأرجو مِن فضيلتكم بيانَ مدلولِ هذه الكلمةِ ومَن يَسْتَحِقُّها؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالشيخ مِنْ جهة السِّنِّ يُطلَق عادةً على كُلِّ مَن زادَ على الخمسين، وهو فوق الكهلِ ودون الهَرِمِ الذي فَنِيَتْ قوَّتُه، وهو يُسَمَّى بالشيخ الفاني(١).

وفي مَقامِ العلم يُطْلَق هذا اللقبُ على كبيرِ السنِّ المَهيبِ الوَقورِ الذي اكتسب التجربةَ في مُخْتَلفِ العلوم واستصحب الخبرةَ في مجالاتها، ويتمتَّع ـ غالبًا ـ بقوَّةٍ في رَدِّ الشبهة وتقريرِ الحُجَّة، ويظهر ذلك في إنتاجه العلميِّ والتربويِّ والتوجيهيِّ، بعيدًا عن الهوى واستمالةِ النفس له إلى الطمع فيما في أيدي الناس.

وتأسيسًا على هذا المعيار فلا يَليقُ تلقيبُ طالبٍ مبتدئٍ في العلوم أو شابٍّ حديثِ السِّنِّ ﺑ «الشيخ» بالمعنى الاصطلاحيِّ، ولو اكتسب بعضَ العلوم أو تخرَّج مِن جامعةٍ شرعيةٍ أو مركزٍ للعلوم أو زاويةٍ لحفظِ كتاب الله وبعضِ سنن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، أو وُسِم بشهاداتٍ وإجازاتٍ وتزكياتٍ؛ لأنَّ المناهج الدراسية المتَّبَعة حاليًّا قصيرةُ المدَّة لا تَفي بالغرض ولا تغطِّي المطلوبَ، وجوانبُ النقص في الطالب على العموم بارزةٌ، بل حتَّى في أستاذه، فهو ـ في الجملة ـ يحتاج في حدِّ ذاته إلى إعادة تأهيلٍ. وقد نُقِلَ عن الشافعيِّ ـ رحمه الله ـ قوله: «مَن طَلَبَ الرئاسةَ فرَّتْ منه، وإذا تَصَدَّرَ الحَدَثُ فاتَهُ علمٌ كثيرٌ»(٢).

وفي تعليقٍ لابن قتيبة ـ رحمه الله ـ على أثَرِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه وهو قولُه: «لا يَزال الناسُ بخيرٍ ما أخذوا العِلْمَ عن أكابرهم وأُمَنائهم وعلمائهم»(٣)، قال رحمه الله ـ شارحًا معنى الأثر ـ: «لأنَّ الشيخ قد زالت عنه متعةُ الشباب وحِدَّتُه وعجلتُه وسَفَهُه، واستصحب التجربةَ والخبرة؛ فلا يدخل عليه في عِلْمِه الشبهةُ، ولا يَغْلِب عليه الهوى، ولا يَميل به الطمعُ، ولا يستزلُّه الشيطانُ استزلالَ الحدث، ومع السنِّ الوقارُ والجلالةُ والهيبة، والحَدَثُ قد تدخل عليه هذه الأمورُ التي أُمِنَتْ على الشيخ، فإذا دَخَلَتْ عليه وأفتى هَلَكَ وأهلك»(٤).

وعليه، فإنَّ تلقيبَ مَن لا يَليق برتبة المشيخة يندرج تحت وضعِ الأشياء في غير موضعها الصحيح مع فتحِ مَداخِلِ الشيطان في نَفْسِ الطالب المتطلِّع، وتُورِّثُه هذه التلقيباتُ مِن أنواع أمراض القلوب ما لا يخفى مِن العُجب والغرور والاكتفاء بالنفس والتكبُّر عند الطلب ونحوِ ذلك مِن آفات العلم، وقد ينعكس الأمرُ سلبًا على سلوكه النفسيِّ والتربويِّ؛ فيؤدِّي إلى التشنيع بالأكابر والتنقُّص منهم والنيلِ مِن مَناصِبِهم.

وفي مَقامِ الرئاسة والفضل والمكانة فإنَّ إطلاق لفظِ «الشيخ» يكون غالبًا مُضافًا إلى مكانٍ أو مكانةٍ كشيخ البلد فإنه يُطْلَق على منصبٍ إداريٍّ في القرية وهو دون العمدة، وشيخِ الفضل والإحسان، وما يُقابِلُ ذلك في باب الرذيلة كشيخ الضلالة والغواية والفساد ونحو ذلك.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٥ جمادى الثانية ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٨ جوان ٢٠٠٩م

 



(١) انظر: «التعريفات الفقهية» للبركتي (١٢٥).

(٢) «صفة الصفوة» لابن الجوزي (٢/ ٢٥٢).

(٣) «نصيحة أهل الحديث» للخطيب البغدادي (٢٨).

(٤) المصدر نفسه (٣٠).