أهمِّيَّةُ القواعدِ الفقهيَّةِ وخصائصُها | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
السبت 18 شوال 1445 هـ الموافق لـ 27 أبريل 2024 م

الفتوى رقم: ١٣٦٨

الصنف: فتاوى الأصول والقواعد الفقهيَّة ـ القواعد الفقهيَّة

أهمِّيَّةُ القواعدِ الفقهيَّةِ وخصائصُها

السؤال:

معلومٌ أنَّ العلماءَ قد بذلوا جهودًا عظيمةً في وضعِ القواعدِ الفقهيَّةِ مِنْ خلالِ استقراءِ الفروعِ، وإحكامِ صِيَغِها بِأحسنِ الصِّياغةِ وأدقِّ العِبارةِ، وتَتبُّعِ ما استُثنِيَ منها مِنْ مسائلَ، فجاءَتْ ـ في جملتِها ـ مُوافِقةً لمقصودِ الشَّارعِ ومُراعِيَةً لِمَصالحِ العِبادِ، واتَّسمَتْ بطابعِ التَّيسيرِ والتَّسهيلِ، لذلك اكتسبَتْ أهمِّيَّةً بارزةً في الفقهِ، فهل بإمكانِ الشَّيخ ـ حَفِظه الله ـ أَنْ يجمعَ هذه الأهمِّيَّةَ في نقاطٍ حتَّى يسهلَ تناوُلها، ويُبيِّنَها لنا ـ ولو بصورة مُقتضَبَةٍ ـ وما تتضمَّنه القواعدُ الفقهيَّةُ مِنْ مميِّزاتٍ وخصائصَ؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فتحظى القواعدُ الفقهيَّةُ ـ بالنَّظر إلى منزلَتِها ومَحَلِّها مِنَ الفقه ـ بمكانةٍ مرموقةٍ في أصول التَّشريع لِمَا تخلِّفه مِنْ آثارٍ بالغةِ الأهمِّيَّة على الدِّراسات الفقهيَّة، وذلك لِمَا تحتويه مِنْ فوائدَ عظيمةٍ وما تتضمَّنه مِنْ خصائصَ متميِّزةٍ في تنظيمِ فروع الفقه الإسلاميِّ.

ويمكن أَنْ نتعرَّض لأهمِّ الخصائص الَّتي تمتاز بها القواعدُ الفقهيَّة فيما يلي:

١ ـ تجمع القواعدُ شَتاتَ الفروعِ الفقهيَّةِ المُترامِيَةِ الأطراف، والجزئيَّاتِ المُتناثِرةِ والمُنتشِرة على مختلف نواحي الفصول والأبواب في سلكٍ واحدٍ، وتجعلها تحت يد الباحث وفي مُتناوَله، لأنَّ الإحاطةَ بالفروع ضربٌ مِنَ الاستحالة بالنَّظر إلى تعذُّرِ حصرِها مِنْ جهةٍ، وعدمِ ثبوتها في الذِّهن أي: هي سريعة النِّسيان ـ مِنْ جهةٍ ثانيةٍ ـ لِتَشعُّبِها وكثرَتِها؛ وضِمنَ هذا المنظورِ يقول القَرَافيُّ(١): «والقسمُ الثَّاني: قواعدُ كُلِّيَّةٌ فقهيَّةٌ جليلةٌ كثيرةُ العددِ عظيمةُ المَدَدِ مُشتمِلةٌ على أسرار الشَّرع وحِكَمِه، لكُلِّ قاعدةٍ مِنَ الفروع في الشَّريعة ما لا يُحصى، ولم يُذكَر منها شيءٌ في أصول الفقه، وإِنِ اتَّفَقَتِ الإشارةُ إليه هنالك على سبيل الإجمال فبقي تفصيلُه لم يتحصَّل؛ وهذه القواعدُ مُهِمَّةٌ في الفقهِ عظيمةُ النَّفع؛ وبقدرِ الإحاطةِ بها يَعظُم قدرُ الفقيهِ ويَشرُف، ويظهر رونقُ الفقهِ ويُعرَف، وتتَّضِحُ مناهجُ الفتاوى وتُكشَف، فيها تَنافسَ العلماءُ وتَفاضلَ الفُضَلاءُ، وبرَّز القارحُ على الجَذَع(٢)، وحاز قصَبَ السَّبقِ مَنْ فيها بَرَع، ومَنْ جعَلَ يُخرِّج الفروعَ بالمناسبات الجزئيَّةِ دون القواعد الكُلِّيَّةِ تَناقَضَتْ عليه الفروعُ واختلفت، وتزلزلت خواطرُه فيها واضطربت، وضاقت نفسُه لذلك وقَنَطَتْ، واحتاج إلى حفظِ الجُزئيَّات الَّتي لا تتناهى، وانتهى العُمرُ ولم تقضِ نفسُه مِنْ طلبِ مُناها، ومَنْ ضبَطَ الفقهَ بقواعده استغنى عن حِفظِ أكثرِ الجُزئيَّات لِاندِراجِها في الكُلِّيَّات، واتَّحد عنده ما تَناقضَ عند غيرِه وتَناسبَ»(٣).

٢ ـ تُكَوِّنُ القواعدُ الفقهيَّةُ ـ لدى الباحث ـ مَلَكةً علميَّةً قويَّةً، وذلك باستقصاءِ مسائل الفقه بأبوابه المتعدِّدة وربطِها بوحداتٍ موضوعيَّةٍ يجمعها قياسٌ واحدٌ، الأمرُ الذي يساعد على التَّفقُّه وفهمِ أسرار التَّشريع، وحفظِ الفقه وضبطِه، وتلمُّسِ الحكم الشَّرعيِّ في العديد مِنْ مسائل الفقه.

قال السيوطيُّ(٤): «اعْلَمْ أنَّ فنَّ الأشباه والنَّظائر فنٌّ عظيمٌ، به يُطَّلَع على حقائق الفقه ومَدارِكِه، ومَآخذِه وأسراره، ويُتمهَّر في فهمه واستحضاره، ويُقتدَر على الإلحاق والتَّخريج، ومعرفةِ أحكام المسائل الَّتي ليست بمسطورةٍ، والحوادثِ والوقائع الَّتي لا تنقضي على ممرِّ الزَّمان»(٥).

٣ ـ تخدم القواعدُ الفقهيَّةُ المقاصدَ الشَّرعيَّةَ العامَّةَ والخاصَّة، وتمهِّد الطَّريقَ إلى إدراك حِكَمِ الأحكام وبواعثها، حيث تعطي مفهومًا جليًّا لمقاصد الشَّريعة، فقاعدةُ: «الضَّرَرُ يُزَالُ» يستفاد منها أنَّ رَفْعَ الضَّررِ مقصدٌ تشريعيٌّ.

٤ ـ تنير القواعدُ الفقهيَّة ـ أمامَ دارسِ الفقه ـ السَّبيلَ إلى معرفة الأحكام الشَّرعيَّة المعروضة عليه بدراسة الأبواب الفقهيَّة الواسعة، وترتقي به إلى دراسة النَّظريَّات العامَّة، بحيث تفسح له المجالَ لتطبيقِ ذلك عمليًّا بإيجاد الحلول لكُلِّ القضايا المتجدِّدة والمسائل المتكرِّرة في التَّشريع.

٥ ـ تساعد القواعدُ الفقهيَّةُ الباحثَ على تَفادِي التَّناقض الظَّاهريِّ في الأحكام المتشابهة، الَّذي قد يحصل مِنْ جرَّاءِ تتبُّع جزئيَّات الأحكام واستخراجها مِنْ موضوعاتها المختلفة.

٦ ـ تُصوِّرُ القواعدُ الفقهيَّةُ منهاجًا قياسيًّا عامًّا في ترتيب الأحكام، ذلك أنَّ القياس لا يخلو مِنِ استثناءٍ أو عدولٍ عنه في بعض المسائل القريبة إلى مقاصد التَّشريع في جلب المصلحة ودفعِ المفسدة ورفعِ الحرج وتحقيقِ العدالة، لذلك تختصُّ هذه القواعدُ بِشُموليَّتها لأحكامٍ أغلبيَّةٍ غيرِ مُطَّرِدةٍ تنطبق على الكثير مِنْ مسائلها وجزئيَّاتها، وذلك غيرُ قادحٍ في قيمتها العلميَّة وقوَّةِ أثرها في التَّفقُّه ـ كما تقدَّم ـ لعدمِ اختلالِ كُلِّيَّتها في الجملة، إذ قد يكون بعضُها محلَّ تقييدٍ وتخصيصٍ: فمثالُ التَّقييدِ شيوعُ قاعدةِ: «الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ المَحْظُورَاتِ» الَّتي تنصُّ على إباحةِ ما كان محرَّمًا شرعًا في حالات الاضطرار، غير أنَّ شيوعَ هذه القاعدةِ مقيَّدٌ بقاعدةٍ أخرى مَفادُها: «الضَّرُورَاتُ تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا»، فكان المعنى أنَّ المحظوراتِ إنَّما تُباحُ بمقدارِ ما يُدفَع الخطرُ، ولا يسوغ الاسترسالُ فيها، وهو معنَى قاعدةِ: «وَمَتَى زَالَ الخَطَرُ عَادَ الحَظْرُ».

ومثال التَّخصيص: عمومُ قاعدةِ: «الضَّرَرُ يُزَالُ»، فهي تفيد وجوبَ رفعِ الضَّرر وترميمِ آثاره بعد وقوعه، سواءٌ كان الرَّفعُ بضررٍ مِثلِه أو بغيره؛ غير أنَّ هذا العمومَ خُصِّص بقاعدةٍ أخرى مقتضاها: «الضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِمِثْلِهِ»، ففُهِم مِنْ ذلك عدمُ جوازِ إزالته بإحداثِ ضررٍ مِثلِه وبالأَوْلى إِنْ كان بإحداثِ أكبرَ منه، لأنَّه لا يُعَدُّ إزالةً(٦).

٧ ـ دِقَّةُ ميزانِ القواعد الفقهيَّة في ضبط المسائل وتنسيقِ الأحكام تمنح للمُهتمِّين بالشَّريعة فرصةَ الاطِّلاعِ على الفقه الإسلاميِّ بأسراره وخباياه ومَرامِيه ومَضامِينه وأُسُسه، كما تمهِّد لهم الطَّريقَ لِاستمداد الأحكام منه، مع مراعاةِ الحقوق والواجبات.

٨ ـ فضلًا عن سَعَةِ معنى القواعد الفقهيَّة في استيعابها للمسائل الجزئيَّة، فإنَّها تمتاز بمزيدِ إيجازٍ في صياغتها، فقد تُوضَعُ بعبارةٍ مُوجَزةٍ متمثِّلةٍ في كلمتين أو بِضعِ كلماتٍ مُحكَمةٍ مِنْ ألفاظِ العموم مثل: «الأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا» و«العَادَةُ مُحَكَّمَةٌ» و«التَّابِعُ تَابِعٌ»(٧).

٩ ـ وبالنَّظر إلى علاقة القواعد الفقهيَّة بعِلمِ أصول الفقه، فإنَّ هذه القواعدَ تهيِّئ للطَّالب الباحثِ مجالًا للاطِّلاع على بعض المباحث الأصوليَّة، وتحفِّزه على دراستها، وهي ـ مع ذلك ـ تعرِّفُه بمواطن الاتِّفاق والاختلاف بين علماء الأمَّة، تلك المواضع هي مِنَ الشُّروطِ الواجبِ توفُّرُ معرفتِها في المجتهد وإحاطتُه بها.

هذا، وفي معرفةِ فنِّ القواعد مِنْ عظيم النَّفع، وكثيرِ الفائدة، وعُلُوِّ منزلة الفقيه وسُمُوِّ قدرِه عند الإحاطة به ما لا يخفى لدى عاقلٍ؛ وقد نبَّه على فائدته كثيرٌ مِنَ الفقهاء، ولا بأسَ ـ في الختام ـ أَنْ نُورِدَ بعضَ مقاطعَ مِنْ كلامِهم المستفيضِ في بيانِ نفعِه والإشادةِ بأهمِّيَّته، منها:

ـ ما تَقدَّم في أثناءِ ما نقلتُه مِنْ كلام القرافيِّ.

ـ قول السُّبكيِّ(٨): «حقٌّ على طالب التَّحقيق ومَنْ يتشوَّق إلى المَقام الأعلى في التَّصوُّر والتَّصديق: أَنْ يُحْكِم قواعدَ الأحكام لِيَرجِعَ إليها عند الغموض، وينهض بعِبءِ الاجتهاد أتمَّ نهوضٍ، ثمَّ يؤكِّدها بالاستكثار مِنْ حِفظ الفروع لِتَرسَخَ في الذِّهن مُثمِرةً عليه بفوائدَ غيرِ مقطوعٍ فضلُها ولا ممنوعٍ؛ أمَّا استخراج(٩) القُوى وبذلُ المجهود في الاقتصار على حفظِ الفروع مِنْ غيرِ معرفةِ أصولها، ونظمُ الجزئيَّاتِ بدونِ فهمِ مأخذها، فلا يرضاه لنفسه ذو نفسٍ أبيَّةٍ، ولا حاملُه مِنْ أهل العلم بالكُلِّيَّة؛ قال إمامُ الحَرَمين(١٠) في كتاب «المدارك»: «الوجه لكُلِّ متَّخِذٍ للإقلال(١١) بأعباء الشَّريعة معه: أَنْ يجعل الإحاطةَ بالأصول سُوقَه الألذَّ، وينصَّ مسائلَ الفقهِ عليها نصَّ مَنْ يحاول بإيرادِها تهذيبَ الأصول، ولا ينزف حمَّامَ ذهنِه في وضع الوقائع ـ مع العلم بأنَّها لا تنحصر ـ مع الذُّهول عن الأصول»، انتهى؛ وإِنْ تَعارَض الأمران وقَصُرَ وقتُ طالبِ العلم عن الجمع بينهما ـ لضيقٍ أو غيره مِنْ آفات الزَّمان ـ فالرَّأيُ لِذي الذِّهن الصَّحيحِ الاقتصارُ على حفظ القواعد وفهمِ المآخذ»(١٢).

ـ قول الزَّركشيِّ(١٣): «... إنَّ ضبط الأمورِ المنتشرةِ المتعدِّدةِ في القوانين المتَّحِدة هو أوعى لحِفظها وأدعى لضبطها، وهي إحدى حِكَمِ العدد الَّتي وُضِع لأجلها، والحكيمُ إذا أراد التَّعليمَ لا بُدَّ له أَنْ يجمع بين بيانين: إجماليٍّ تتشوَّف إليه النَّفسُ، وتفصيليٍّ تسكن إليه؛ ولقد بلغني عن الشَّيخ قُطب الدِّين السّنباطيِّ(١٤) ـ رحمه الله ـ أنَّه كان يقول: الفقهُ معرفةُ النَّظائر؛ وهذه قواعدُ تضبط للفقيهِ أصولَ المذهب، وتُطلِعه مِنْ مَآخذِ الفقه على نهاية المطلب، وتَنظِمُ عِقدَه المنثورَ في سلكٍ، وتستخرج له ما يدخل تحت مِلكٍ...»(١٥).

ـ وقد أشاد الأستاذ مصطفى الزَّرقا(١٦) بشأن القواعد الفقهيَّة ومَهَمَّتها بقوله: «... فإنَّ في هذه القواعدِ تصويرًا بارعًا وتنويرًا رائعًا للمبادئ والمقرَّرات الفقهيَّة العامَّة، وكشفًا لآفاقها ومسالكها النَّظريَّة، وضبطًا لفروع الأحكام العمليَّة بضوابطَ تُبيِّن ـ في كُلِّ زمرةٍ مِنْ هذه الفروعِ ـ وَحْدةَ المَناطِ وجِهةَ الارتباطِ برابطةٍ تجمعها وإِنِ اختلفت موضوعاتُها وأبوابُها»(١٧).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في ٤ شعبان ١٤٤٥هـ
الموافق لـ ١٤ فبراير ٢٠٢٤م



(١) هو أبو العبَّاسِ شهابُ الدِّينِ أحمدُ بنُ إدريسَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ الصِّنهاجيُّ المصريُّ، الشَّهيرُ بالقَرَافيِّ؛ أحَدُ الأعلام المشهورين في المذهب المالكيِّ، كان حافظًا مفوَّهًا منطقيًّا، بارعًا في العلوم النَّقليَّة والعقليَّة والدُّنيويَّة، انتهت إليه رئاسةُ المالكيَّة؛ له مصنَّفاتٌ قيِّمةٌ منها: «الذَّخيرة في فروع المالكيَّة» في الفقه، و«الفروق» في القواعد الفقهيَّة، و«شرح المحصول للرَّازي»، و«تنقيح الفصول» و«شرحُه» في أصول الفقه؛ تُوُفِّيَ ـ رحمه الله ـ سَنَةَ: (٦٨٤ﻫ ـ ١٢٨٥م).

انظر ترجمته في: «الدِّيباج المُذهب» لابن فرحون (٦٢)، «شجرة النُّور» لمخلوف (١٨٨)، «الفتح المبين» للمراغي (٢/ ٨٩)، «الفكر السامي» للحَجْوي (٢/ ٤/ ٢٣٣)، «الأعلام» للزِّرِكلي (١/ ٩٤)، «مُعجَم المفسِّرين» للنويهض (١/ ٢٨).

(٢) قال ابنُ منظورٍ في «لسان العرب» (٢/ ٥٦٠): «قرَحَ الفرسُ يَقرَح قُرُوحًا وقَرِحَ قَرَحًا إذا انتهت أسنانُه، وإنَّما تنتهي في خمسِ سِنينَ، لأنَّه في السَّنَةِ الأولى حوليٌّ، ثمَّ جَذَعٌ ثم ثَنِيٌّ ثمَّ رَباعٌ ثمَّ قارِحٌ، وقِيلَ: هو في الثَّانية فِلْوٌ، وفي الثَّالثةِ جَذَعٌ؛ يقال: أَجذعَ المُهرُ وأثنى وأَربعَ وقَرَحَ [قَرِحَ]، هذه وَحْدَها بغير ألفٍ؛ والفرسُ قارحٌ، والجمعُ قُرَّحٌ وقُرْحٌ، والإناثُ قوارحُ، وفي الأسنانِ بعد الثَّنايا والرَّباعِيَاتِ أربعةُ قوارِحَ؛ قال الأزهريُّ: ومِنْ أسنان الفَرَس القارحان، وهما خلف رَباعِيَتَيْهِ العُلْيَيَيْنِ، وقارِحان خلف رَباعِيَتَيْهِ السُّفليَيْن؛ وكُلُّ ذي حافرٍ يَقرَحُ، وفي الحديث: وعليهم السَّالغُ والقارحُ، أي: الفَرَسُ القارح؛ وكُلُّ ذي خُفٍّ يَبزُلُ، وكُلُّ ذي ظِلْفٍ يَصْلَغُ».

‌والجَذَعُ قبل الثَّنيِّ، والجمعُ ‌جُذْعانٌ وجِذاعٌ، والأنثى جَذَعةٌ، ‌والجَذَعُ: اسمٌ له في زمنٍ ليس بِسِنٍّ تنبت ولا تسقط، والجَذَعُ مِنَ الخيلِ والبقرِ وذي الحافر: ما استكملَ عامين ودخلَ في العامِ الثَّالثِ. [انظر: «الصِّحاح» للجوهري (٣/ ١١٩٤)، «مُعجَم اللُّغة العربية المعاصرة» لأحمد مختار عبد الحميد عمر (١/ ٣٥٥، ٣/ ١٧٩٣)].

والمعنى: غلَبَ القَويُّ في الأصولِ الضَّعيفَ فيه، أو ظهَرَ في العلومِ فضلُ المتقدِّمِ في علم الأصولِ على مَنْ دونه فيه.

(٣) «الفروق» للقرافي (١/ ٢ ـ ٣).

(٤) هو جلال الدِّين أبو الفضلِ عبدُ الرَّحمن بنُ أبي بكرِ بنِ محمَّدِ بنِ سابقِ الدِّين أبي بكرٍ السيوطيُّ الأصلِ الطُّولونيُّ المِصريُّ الشَّافعيُّ الشَّهيرُ بابنِ الأسيوطيِّ؛ الفقيهُ الحافظُ المحدِّثُ المؤرِّخُ الأديب؛ له مصنَّفاتٌ كثيرةٌ نافعةٌ منها: «الأشباهُ والنَّظائر في فروع الشَّافعيَّة»، و«الأشباهُ والنَّظائر في العربيَّة»، و«طبقاتُ الحُفَّاظ»، و«طبقاتُ المفسِّرين»، و«الحاوي للفتاوي»؛ تُوُفِّيَ ـ رحمه الله ـ سَنَةَ: (٩١١ﻫ ـ ١٥٠٥م).

انظر ترجمته في: «الضَّوء اللَّامع» للسَّخاوي (٤/ ٦٥)، «حُسن المحاضرة» للسُّيوطي (١/ ٣٣٥)، «الكواكب السائرة» للغزِّي (١/ ٢٢٧)، «شذرات الذَّهب» لابن العماد (٨/ ٥١)، «البدر الطَّالع» للشَّوكاني (١/ ٣٢٨)، «الفكر السَّامي» للحَجْوي (٢/ ٤/ ٣٥١).

(٥) «الأشباه والنَّظائر» للسُّيوطي (٦).

(٦) انظر: «المدخل الفقهي العامَّ» للزرقا (٢/ ٩٤٨)، «القاعدة الكُلِّيَّة» لهرموش (٢١ ـ ٢٢).

(٧) انظر: المرجعين السابقين نفسهما.

(٨) هو أبو نصرٍ تاجُ الدِّين عبدُ الوهَّاب بنُ عليِّ بنِ عبد الكافي الأنصاريُّ الخزرجيُّ السُّبكيُّ الشَّافعيُّ الأشعريُّ؛ كان عالمًا بالفقه ماهرًا في الأصول، بارعًا في الحديث والأدب، شارك في العربيَّة، وكانت له يدٌ في النَّظم والنَّثر، انتهت إليه رياسةُ القضاءِ والمَناصِب بالشَّام؛ مِنْ مُصنَّفاته: «رفعُ الحاجب عن مختصر ابنِ الحاجب»، و«جمع الجوامع» و«منع الموانع»، و«شرح «المنهاج في الأصول» للبيضاوي» وهو «الإبهاج أو الابتهاج في شرح المنهاج»، و«الأشباهُ والنَّظائر»؛ تُوُفِّيَ ـ رحمه الله ـ بالطَّاعون سَنَةَ: (٧٧١ﻫ ـ ١٣٦٩م) عن (٤٤) سَنَةً.

انظر ترجمته في: «البداية والنِّهاية» لابن كثير (١٤/ ٣١٦)، «طبقات الشَّافعيَّة» لابن قاضي شُهبة (٣/ ١٠٤)، «الدُّرَر الكامنة» لابن حجر (٢/ ٤٢٥)، «شَذَرات الذَّهب» لابن العماد (٦/ ٢٢١)، «البدر الطَّالع» للشَّوكاني (١/ ٤١٠)، «الفكر السَّامي» للحجوي (٢/ ٤/ ٣٤٥).

(٩) كذا في المطبوع، ولعلَّ الصَّواب: استفراغ.

(١٠) هو أبو المَعالي ضياءُ الدِّين عبدُ المَلِك بنُ عبدِ الله بنِ يُوسُفَ الجُوَيْنيُّ ثمَّ النَّيْسابوريُّ الشَّافعيُّ الأشعريُّ، العلَّامةُ إمامُ الحَرَمَيْن؛ ورئيسُ الشَّافعيَّةِ بنيسابور؛ له مؤلَّفاتٌ كثيرةٌ منها: «الإرشاد»، و«الشَّامل» في أصول الدِّين، و«البرهان» و«الورقات» في أصول الفقه، و« نهاية المطلب» في الفقه؛ تُوُفِّيَ ـ رحمه الله ـ سَنَةَ: (٤٧٨ﻫ ـ ١٠٨٥م).

انظر ترجمته في: «وفَيَات الأعيان» لابن خلِّكان (٣/ ١٦٧)، «سِيَر أعلام النُّبَلاء» للذَّهبي (١٨/ ٤٦٨)، «مرآة الجِنان» لليافعي (٣/ ١٢٣)، «طبقات الشَّافعيَّة» للإسنوي (١/ ١٩٧)، «البداية والنِّهاية» لابن كثير (١٢/ ١٢٨)، «الفكر السَّامي» للحجوي (٢/ ٤/ ٣٣٠).

(١١) الإقلال: الحمل؛ ومنه قولُه تعالى: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَآ ‌أَقَلَّتۡ سَحَابٗا ثِقَالٗا[الأعراف: ٥٧] أي: حملت؛ [انظر: «لسان العرب» لابن منظور (١١/ ٥٦٦)]، والمعنى هنا: حملُ أعباءِ الشَّريعة مِنْ فهمِها وتبليغِها.

(١٢) «الأشباه والنَّظائر» للسُّبكي (١/ ١٠ ـ ١١).

(١٣) هو أبو عبد الله بدر الدِّين محمَّدُ بنُ بهادِرَ بنِ عبدِ الله الزَّركشيُّ التُّركيُّ الأصلِ المصريُّ الشَّافعيُّ المنهاجيُّ؛ الفقيهُ الأصوليُّ المحدِّث؛ له مصنَّفاتٌ منها: «البحر المحيط»، و«شرح «جمع الجوامع» للسُّبكي» الموسوم ﺑ «تشنيف المَسامِع» في أصول الفقه، و«تخريج أحاديث الرَّافعي»؛ تُوُفِّيَ ـ رحمه الله ـ سَنَةَ: (٧٩٤ﻫ ـ ١٣٩٢م).

انظر ترجمته في: «الدُّرَر الكامنة» لابن حجر (٣/ ٣٩٧)، «شَذَرات الذَّهب» لابن العِماد (٦/ ٣٣٥)، «الفتح المبين» للمراغي (٢/ ٢١٧)، «أصول الفقه (تاريخه ورجاله)» لشعبان محمَّد إسماعيل (٣٨٩).

(١٤) هو قطب الدِّين أبو عبد الله محمَّدُ بنُ عبدِ الصَّمدِ بنِ عبدِ القادرِ بنِ صالحٍ السّنباطيُّ الأنصاريُّ المصريُّ الشَّافعيُّ؛ كان إمامًا حافظًا للمذهب عارفًا بالأصول؛ صنَّف «تصحيح التَّعجيز» و«أحكام المبعَّض»، واختصر قطعةً مِنَ «الرَّوضة»؛ تُوُفِّيَ ـ رحمه الله ـ سَنَةَ: (٧٢٢ﻫ) وقِيلَ: (٧٣٢ﻫ).

انظر ترجمته في: «مرآة الجِنان» لليافعي (٤/ ٢٨٤)، «طبقات الشَّافعيَّة» للإسنوي (١/ ٣٤٩)، «البداية والنِّهاية» لابن كثير (١٤/ ١٠٤)، «طبقات الشَّافعيَّة» لابن قاضي شُهبة (٢/ ٢٨٨)، «الدُّرَر الكامنة» لابن حجر (٤/  ١٦)، «شَذَرات الذََّهب» لابن العماد (٦/ ٥٧).

(١٥) «المنثور في القواعد» للزَّركشي (١/ ٦٥ ـ ٦٦).

(١٦) هو الأستاذ مصطفى بنُ أحمدَ بنِ محمَّدِ بنِ عثمان الزَّرقاء الحنفيُّ؛ فقيهٌ سوريٌّ في العصر الحديث، وُلِد بمدينةِ حَلَب عامَ: (١٣٢٢هـ)، ونشَأَ في بيتِ علمٍ وصلاحٍ تحت نظرِ جدِّه ورعايةِ والدِه، وكلاهما مِنْ علماء مذهب الحنفيَّة بحلب؛ تتلمذ على يدِ كبارِ عُلماءِ حَلَب، وتَخرَّج مِنْ كُلِّيَّة الحقوق بالجامعة السُّوريَّة، ثمَّ عُيِّن أستاذًا للحقوق المدنيَّة والشَّريعة في تلك الكُلِّيَّةِ سَنَةَ: (١٣٦٣ﻫ) ثمَّ عُيِّن سَنَةَ: (١٣٨٦ﻫ) خبيرًا لمشروع الموسوعة الفقهيَّةِ الكويتيَّة بالكويت، ثمَّ انتقل للتَّدريس في كُلِّيَّة الشَّريعة بالجامعة الأردنيَّة سَنَةَ: (١٣٩١ﻫ) إلى غايةِ: (١٤٠٣ﻫ)؛ وتَقلَّد عِدَّةَ مَناصِبَ؛ له أبحاثٌ في جملةٍ مِنَ المؤتمرات، وله مؤلَّفاتٌ كثيرةٌ، مِنْ أَشهَرِها: «الفقهُ الإسلاميُّ في ثوبه الجديد» الَّذي منه «المدخلُ الفقهيُّ العامُّ»، و«أحكامُ الأوقاف»، و«عقدُ التَّأمينِ وموقفُ الشَّريعة منه»، وله بعضُ التَّحقيقات؛ تُوُفِّيَ ـ رحمه الله ـ سَنَةَ: (١٤٢٠هـ)؛ [انظر ترجمته في: فهارسِ «موسوعة صناعة الحلال»: «تراجم المُفتين ودُور الفتوى وهيئاتها والمَجامع الفقهيَّة الواردة في الموسوعة» لوحدة البحث العلميِّ بإدارة الإفتاء ـ الكويت (٣/ ٣٦٠)، «البدور المضِيَّة في تراجم الحنفيَّة» لمحمَّد حِفظ الرَّحمن الكُمِلَّائي (١٨/ ٧٩)].

(١٧) «المدخل الفقهيُّ العامُّ» لمصطفى الزرقاء (٢/ ٩٤٩).