في كيفيَّةِ صلاة الأصمِّ الأخرسِ | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
السبت 18 شوال 1445 هـ الموافق لـ 27 أبريل 2024 م

الفتوى رقم: ١٣٦٩

الصنف: فتاوى الصلاة

في كيفيَّةِ صلاة الأصمِّ الأخرسِ

السؤال:

كيف يُصلِّي الأصمُّ الأبكمُ الَّذي لا يعرف القراءةَ ولا الكتابةَ ولا لغةَ الإشارة؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالأصمُّ الأبكَمُ: هو الأخرسُ الَّذي لا يتكلَّم ولا يسمع، سواءٌ كان ذلك عند ولادته أم طَرَأ عليه أحَدُهما أو كلاهما بعد ذلك(١)؛ لفقدِه حاسَّةَ السَّمعِ وخاصِّيَّةَ النُّطقِ؛ فحُكمه أَنْ يأتيَ بما أمَرَهُ اللهُ بهِ في حدود الاستطاعةِ ممَّا يُدرِكه مِنْ دِين الإسلام بالنَّظر والرُّؤية الباصرة، أو بما بلَغَه منه قبل طُروءِ الصَّمم إِنْ كان الصَّمَمُ طارئًا عليه ولم يكن مِنَ الولادة، أو بما كان طريقُه إشاراتٍ معيَّنةً تُبيِّنُ له المطلوبَ، أو باللَّمس باليدِ إِنْ كان أعمَى حتَّى يَفهم أَمْرَ الصَّلاةِ المَطلوبةِ، وكذلك إِنْ وُجِدَتْ أجهزةٌ صناعيَّةٌ مُسمِعةٌ خاصَّةٌ بهم أو مُخاطِبةٌ لهم، فإنَّه يجبُ اتِّخاذُها لهذا الغرض ـ إذا كانت في مُتناوَله وقُدرته ـ إذ «ما لا يتمُّ الواجبُ إلَّا به فهو واجبٌ»؛ وعليه فلا يسقطُ عنه ما تيسَّر عليه القيامُ به مِنَ التَّكاليف الشَّرعيَّة لقدرته عليها، وما تعذَّر عليه إدراكُه أو تعسَّر عليه فعلُه فإنَّه يَسقُط عنه لعجزِه عنه ولا يُؤاخَذ به، عملًا بقاعدةِ: «المَعسُورُ لَا يُسقِطُ المَيْسُورَ» لقول الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَا[البقرة:٢٨٦]، ولقوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَا[الطلاق:٧]، ولقوله تعالى: ﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ[التغابن: ١٦]، وقولِه تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجۡعَلَ عَلَيۡكُم مِّنۡ حَرَجٖ[المائدة: ٦]، وقولِه تعالى: ﴿يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ[البقرة:١٨٥]، وقولِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»(٢)، وقد اتَّفق الفقهاءُ على أنَّ مَنْ كان عَاجِزًا عَنِ النُّطقِ لِخَرَسٍ تَسقُطُ عنه الأقوالُ مِنَ الواجبات والأركانِ القوليَّةِ في الصَّلاةِ، ولا يَلزَمُه فيها تحريكُ لسانِه وشفتَيْه بحركةٍ مجرَّدةٍ عن الكلام على الصَّحيح مِنْ أقوال الفقهاءِ لأنَّه عبثٌ وزيادةٌ في الصَّلاة لم يَرِدِ الشَّرعُ به؛ قال ابنُ تيميَّةَ ـ رحمه الله ـ: «وَمَنْ لَمْ يُحْسِنِ القراءةَ ولا الذِّكرَ، أو الأَخرسُ: لا يحرِّكُ لِسانهُ حركةً مُجرَّدةً، ولو قِيلَ: إنَّ الصَّلاةَ تَبطُلُ بذلك كان أَقرَبَ، لأنَّهُ عَبَثٌ يُنافي الخشوعَ وزيادةٌ على غيرِ المَشروعِ» أي: على وجهٍ غيرِ مشروعٍ(٣).

وأمَّا الواجباتُ والأركانُ الفعليَّةُ التي تدخلُ في فهمِه واستطاعتِه وقُدرتِه؛ فإنَّه يَلزَمُه الإتيانُ بها كالقيام والرُّكوع والسُّجود وغيرها.

وبهذا يُعلَمُ حكمُ عبادةِ مَنْ وُلِدَ أصمَّ؛ فإنَّما يجب عليه ما أَمكنَ تعليمُه إيَّاهُ مِنَ الأحكام بغير السَّماع بأُذُنَيْه دون ما لم يمكنه فيه فهمُ خطابِ الشَّرع.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١١ شعبان ١٤٤٥ﻫ
الموافق ﻟ: ٢١ فبراير ٢٠٢٤م



(١) انظر: «النِّهاية» لابن الأثير (١/ ١٥٠، ٣/ ٥٣).

(٢) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة» باب الاقتداء بسُنَنِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (٧٢٨٨)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٣٧)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(٣) «الفتاوى الكبرى» (٥/ ٣٣٦) و«المستدرك على مجموع الفتاوى» (٣/ ٨٣) كلاهما لابن تيميَّة.