في حكم الجماع في قضاء رمضان عمدًا | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الخميس 12 ذي القعدة 1444 هـ الموافق لـ 01 يونيو 2023 م



الفتوى رقم: ٧٦٤

الصنف: فتاوى الصيام - القضاء

في حكم الجماع في قضاء رمضان عمدًا

السؤال:

هل على مَنْ أتى أهلَه في صيام القضاءِ الكفَّارةُ؟ وهل تجب عليهما جميعًا أم على الرجل دون المرأة؟ وهل إذا لحقهما الإثمُ يُعَدُّ مِنَ الكبائر؟ فالرجاءُ إرفاقُ الجواب بالدليل. وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فمَنْ أفسدَ صومَ قضاءِ رمضان أو صومَ الكفَّارة أو أيَّ صومٍ واجبٍ ـ ما عدا صومَ رمضان ـ بجماعٍ أو غيره مِنَ المُفْسِدات عمدًا مِنْ غيرِ عذرٍ شرعيٍّ فإنه يترتَّب على إفسادِ هذه العبادةِ الواجبةِ لحوقُ الإثم ووجوبُ القضاء.

أمَّا دليلُ وجوبِ القضاء فظاهرٌ مِنْ حديثِ أمِّ هانئٍ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ شَرَابًا، فَنَاوَلَهَا لِتَشْرَبَ، فَقَالَتْ: «إِنِّي صَائِمَةٌ، وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ أَرُدَّ سُؤْرَكَ»، فَقَالَ، يَعْنِي: «إِنْ كَانَ قَضَاءً مِنْ رَمَضَانَ فَاقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَإِنْ شِئْتِ فَاقْضِي وَإِنْ شِئْتِ فَلَا تَقْضِي»(١).

وأمَّا دليلُ لحوقِ الإثم على إفساد الصوم الواجبِ عَمْدًا فقولُه تعالى: ﴿وَلَا تُبۡطِلُوٓاْ أَعۡمَٰلَكُمۡ ٣٣[محمَّد]؛ إذ لا فَرْقَ بينَ قضاء رمضانَ وأدائِه في لحوق الإثم مِنْ حيثُ عَدَمُ جوازِ إبطاله بمُفْسِدات الصوم؛ فلا يُوجَدُ ما يخصِّصُ عمومَ الآية.

ولا يقال: إنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أقرَّ أمَّ هانئٍ رضي الله عنها ولم يُنْكِرْ إفطارَها ولو كان مِنَ القضاء؛ لأنه صلَّى الله عليه وسلَّم في مَقامِ بيانٍ، و«تَأْخِيرُ البَيَانِ عَنْ وَقْتِ الحَاجَةِ لَا يَجُوزُ»، فاكتفى ببيانِ وجوبِ القضاءِ طلبًا جازمًا مع جوازِ إفطار القاضي له إقرارًا، وبهذا قال الشوكانيُّ ـ رحمه الله ـ(٢). وهذا غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّ أَمْرَه صلَّى الله عليه وسلَّم بالقضاء لأمِّ هانئٍ رضي الله عنها لو أفطرَتْ منه لا يَلْزَمُ منه جوازُ فِعْلِها، لأنَّ مِنْ شروط الإقرار الذي هو حجَّةٌ أَنْ لا يدلَّ عليه دليلُ المنع مِنْ جهةٍ، وأَنْ لا يكون المسكوتُ عنه قد اعترف بذنبه وخطئه، وقد أقرَّتْ أمُّ هانئٍ رضي الله عنها بذلك في رواية الترمذيِّ بقولها: «إِنِّي أَذْنَبْتُ فَاسْتَغْفِرْ لِي»، فَقَالَ: «وَمَا ذَاكِ؟» قَالَتْ: «كُنْتُ صَائِمَةً فَأَفْطَرْتُ»، فَقَالَ: «أَمِنْ قَضَاءٍ كُنْتِ تَقْضِينَهُ؟» قَالَتْ: «لَا»، قَالَ: «فَلَا يَضُرُّكِ»(٣)، ويؤكِّده مفهومُ قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَلَا يَضُرُّكِ»، وفي رواية أبي داود بزيادةِ: «فَلَا يَضُرُّكِ إِنْ كَانَ تَطَوُّعًا»(٤)؛ فإنه يدلُّ بمفهومه على أنه إِنْ كان صومُها مِنْ قضاءِ واجبٍ فإنَّ إفسادَه يضرُّها.

هذا، ولا يرتقي إثمُ إفسادِ الصوم إلى الكبائر؛ لانتفاء الوعيد الخاصِّ على ارتكابه المعيِّن له صراحةً، اللَّهمَّ إلَّا إذا استُدِلَّ بحديثِ أبي أُمامة الباهليِّ رضي الله عنه أنه صلَّى الله عليه وسلَّم قال ـ في رُؤْيَا مناميةٍ ـ: «ثُمَّ انْطُلِقَ بِي، فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ، مُشَقَّقَةٌ أَشْدَاقُهُمْ تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا، قَالَ: قُلْتُ: «مَنْ هَؤُلَاءِ؟» قَالَ: «هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ»»(٥)، والوعيدُ في الحديث يَلْحَقُ مَنْ يُفْطِر قبل غروب الشمس.

ولهما أَنْ يُكَفِّرا عنه بالتوبة والعمل الصالح، ويَلْزَمهما القضاءُ دون وجوبِ الإمساك والكفَّارة المشرَّعة للجماع؛ لثبوت خصوصيتهما في رمضان في قصَّة الأعرابيِّ المُجامِعِ في رمضان عمدًا مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه(٦)، ولا يخفى أنَّ واجِبَ صومِ رمضان مضيَّقٌ مِنْ حيثُ وقتُه، بينما صومُ القضاء فمُطْلَقٌ؛ فافترقَ حكمُ القضاء عن الأداء؛ لذلك احتاجَتِ الكفَّارةُ ـ باعتبارها حكمًا شرعيًّا ـ في تقريرِ مشروعيتها في القضاء إلى دليلٍ شرعيٍّ يُسْنِدُهَا، وهو منتفٍ عنها.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٠ شوَّال ١٤٢٨ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٢ أكتوبر ٢٠٠٧م

 


(١) أخرجه أحمد (٢٦٩١٠) مِنْ حديثِ أمِّ هانئٍ رضي الله عنها. وصحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٢٨٠٢).

(٢) انظر: «السيل الجرَّار» للشوكاني (٢/ ١٥١).

(٣) أخرجه الترمذيُّ في «الصوم» بابُ ما جاء في إفطار الصائم المتطوِّع (٧٣١). قال الألبانيُّ في «تخريج المشكاة» (١/ ٦٤٢): «إسناده جيِّدٌ».

(٤) أخرجه أبو داود في «الصوم» (٢٤٥٦). وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح أبي داود» (٢١٢٠).

(٥) أخرجه ابنُ خزيمة (١٩٨٦)، وابنُ حبَّان (٧٤٩١)، والحاكم (١٥٦٨)، والبيهقيُّ (٨٠٠٦)، مِنْ حديثِ أبي أمامة الباهليِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٣٩٥١).

(٦) انظر الحديثَ المُتَّفَقَ عليه الذي أخرجه البخاريُّ في «الكفَّارات والأيمان» بابُ قولِه تعالى: ﴿قَدۡ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمۡ تَحِلَّةَ أَيۡمَٰنِكُمۡۚ وَٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ ٢[التحريم] متى تجب الكفَّارةُعلى الغنيِّ والفقير (٦٧٠٩)، ومسلمٌ في «الصيام» (١١١١).