في الحد الأدنى المجزئ في المبيت بمنى | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الثلاثاء 7 شوال 1445 هـ الموافق لـ 16 أبريل 2024 م

الفتوى رقم: ٨٣٥

الصنـف: فتاوى الحج - أحكام الحج

في الحد الأدنى المجزئ في المبيت بمنى

السؤال:

ما هو الحدُّ الأدنى المجزئُ في المبيت بمِنًى؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

فالمبيتُ بِمِنًى أيَّامَ التشريق واجبٌ على أرجح قَوْلَيِ العلماء، وبه قال الجمهورُ مِنَ المالكيَّة والشافعيَّة وهو المشهور عند الحنابلة، لفِعْله صلى الله عليه وسلم(١)، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «خُذُوا عَنِّي منَاسِكَكُمْ»(٢)، ولأنه صلى الله عليه وسلم رخَّص للعبَّاس أَنْ يبيت بمكَّةَ ليالِيَ مِنًى(٣) مِنْ أجل السِّقاية، ورخَّص ـ أيضًا ـ لرُعاة الإبل أَنْ يبيتوا خارِجَ مِنًى(٤)، والمعلومُ أنَّ الرُّخصة لا تكون إلَّا عن عزيمةٍ، قال الحافظُ ابنُ حجرٍ رحمه الله: «وفي الحديث دليلٌ على وجوب المبيت بمِنًى، وأنه مِنْ مناسك الحجِّ؛ لأنَّ التعبير بالرُّخصة يقتضي أنَّ مُقابِلَها عزيمةٌ، وأنَّ الإذن وقع للعِلَّة المذكورة، وإذا لم تُوجَدْ أو ما في معناها لم يحصل الإذنُ»(٥).

والواجبُ في المبيت بِمِنًى مُعظَمُ اللَّيل، وهو أدنى من ثُلُثَيِ الليل، إمَّا مِنْ أوَّله أو مِنْ آخِره، ولو قُدِّر أنَّ زمنَ الليل كُلِّه اثنتا عشرة ساعةً فأقلُّ ما يجزئُ فيه المبيت سبعُ ساعاتٍ، أمَّا بقيةُ الليل فليس بواجبٍ ولا شرطًا في المبيت؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: «كَانَ يَزُورُ البَيْتَ كُلَّ لَيْلَةٍ مَا دَامَ بِمِنًى»(٦).

هذا، وإنَّ مَنْ تَرَك مبيت الليالي الثلاث لغير عُذرٍ فعليه دَمٌ عند الأئمَّة الثلاثة، أمَّا إِنْ تَرَك مبيتَ ليلةٍ أو ليلتين فيَلزَمه التصدُّقُ بأقلِّ ما يُسمَّى صدقةً عن كُلِّ ليلةٍ فيما دون الثَّلاث؛ لأنَّ الليلة ليست نُسُكًا بمُفرَدها خلافًا للمالكيَّة(٧).

أمَّا مَنْ تَرَك المبيتَ في مِنًى لعُذْرٍ سواءٌ كان العذرُ لأمرٍ عامٍّ أو خاصٍّ فلا شيءَ عليه على الصحيح مِنْ أقوال العلماء، وبه قال ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ لأنَّ «رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لِرِعَاءِ الإِبِلِ فِي البَيْتُوتَةِ: يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَرْمُونَ الغَدَ، وَمِنْ بَعْدِ الغَدِ بِيَوْمَيْنِ، وَيَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ»(٨)، قال النوويُّ رحمه الله: «ومِنَ المعذورين: مَنْ له مالٌ يخاف ضياعَه لو اشتغل بالمبيت، أو يخاف على نفسه، أو كان به مرضٌ يشقُّ معه المبيتُ، أو له مريضٌ يحتاج إلى تعهُّده، أو يطلب آبقًا، أو يشتغل بأمرٍ آخَرَ يخاف فوتَه، ففي هؤلاء وجهان: الصحيحُ المنصوصُ: يجوز لهم تركُ المبيت، ولا شيءَ عليهم بسببه، ولهم النَّفْرُ بعد الغروب»(٩).

قلت: والَّذي يتأخَّر به الطوافُ بالبيت حتَّى يمضيَ عليه مُعظمُ الليل أو فاتَهُ الليلُ كُلُّه لمشقَّةِ العودة إلى مِنًى، أو لازدحام المواصلات، أو لسبب إسعاف غيره، والحاجةُ إليه قائمةٌ؛ فإنَّ هذه الأعذارَ وغيرَها مشمولةٌ بالرُّخصة.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

 

الجزائر في: ٢٢ المحرم ١٤٢٩ﻫ

الموافق ﻟ: ٢٩ جانفي ٢٠٠٨م

 



(١) كما في حديثِ جابرٍ رضي الله عنه الطويل الذي أخرجه مسلمٌ في «الحجِّ» (١٢١٨) مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما الطويل.

(٢) أخرجه مسلمٌ في «الحجِّ» (١٢٩٧)، والبيهقيُّ بلفظِ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» في «السنن الكبرى» (٩٥٢٤)، مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.

(٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» باب: هل يبيت أصحابُ السقاية أو غيرُهم بمكَّةَ لياليَ مِنًى؟ (١٧٤٥)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣١٥)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.

(٤) أخرجه أبو داود في «المناسك» بابٌ في رمي الجمار (١٩٧٥)، والنسائيُّ في «مناسك الحجِّ» بابُ رميِ الرُّعَاة (٣٠٦٩)، مِنْ حديثِ عاصم بنِ عَدِيٍّ رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (٤/ ٢٨٠).

(٥) «فتح الباري» لابن حجر (٣/ ٥٧٩).

(٦) علَّقه البخاريُّ بصيغة التمريض في «الحجِّ» باب الزيارة يومَ النحر (٣/ ٥٦٧)، ووَصَله البيهقيُّ في «السنن الكبرى» (٩٦٥١). وصحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٢/ ٤٤٢).

(٧) فعند المالكيَّة أنَّ مَنْ تَرَك المبيتَ بمِنًى لغير عُذرٍ وَجَب عليه دمٌ كُلَّ ليلةٍ مِنْ لياليها كاملةً أو جُلَّها، [انظر: «الكافي» لابن عبد البرِّ (١٤٥)].

(٨) أخرجه أبو داود في «المناسك» بابٌ في رمي الجمار (١٩٧٥)، والنسائيُّ في «مناسك الحجِّ» بابُ رميِ الرُّعَاة (٣٠٦٩)، مِنْ حديثِ عاصم بنِ عَدِيٍّ رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (٤/ ٢٨٠).

(٩) «المجموع» للنَّووي (٨/ ٢٤٨).