في حكمِ تركِ الصيام جهلًا | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الإثنين 27 شعبان 1444 هـ الموافق لـ 20 مارس 2023 م



الفتوى رقم: ٨٥٣

الصنف: فتاوى الصيام - أحكام الصيام

في حكمِ تركِ الصيام جهلًا

السؤال:

أفطرَتِ امرأةٌ يومًا أو يومين مِنْ رمضانَ بعد انقطاع الحيض للسنوات الأربع الأُولى مِنْ بلوغها سِنَّ المحيض، وذلك جهلًا منها بحكم الشرع، فهل يترتَّب عليها إثمٌ؟ وهل يَلْزَمها القضاءُ؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فإذا كان بإمكان المرأةِ تحصيلُ العلم بالحكم الشرعيِّ ولم تَسْعَ إلى طلبه بالسؤال عنه؛ فهي آثمةٌ لقوله تعالى: ﴿فَسۡ‍َٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ[النحل: ٤٣؛ الأنبياء: ٧]، وجهلُها بالحكم الشرعيِّ غيرُ مقبولٍ عملًا بقاعدةِ: «لَا يُقْبَلُ فِي دَارِ الإِسْلَامِ عُذْرُ الجَهْلِ بِالحُكْمِ الشَّرْعِيِّ»، ويَلْزَمُها قضاءُ دَيْنِ الصيام وجوبًا؛ لأمرِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لمَنْ جامَع أهلَه في رمضان عمدًا بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ»(١)، وفي لفظِ أبي داود: «كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ، وَصُمْ يَوْمًا، وَاسْتَغْفِرِ اللهَ»(٢).

أمَّا إذا لم تتمكَّن مِنْ تحصيل العلم بالحكم الشرعيِّ لبُعْدِها عن دار الإسلام أو لم تقدر على تعلُّمه ومعرفته فإنَّ الجهل بالحكم يُعْذَر به صاحبُه؛ إذ «لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الخِطَابِ إِلَّا بَعْدَ البَلَاغِ»، و«لَا يَقُومُ التَّكْلِيفُ مَعَ الجَهْلِ».

وعليه، فإنها غيرُ مؤاخَذةٍ بإثمٍ؛ لأنَّ الإثم مرتَّبٌ على المقاصد والنِّيَّات، والجاهلُ لا يُعْلَم له حُكمٌ ولا قصدٌ فلا إثمَ عليه، ولا يَلْزَمها القضاءُ إلَّا على وجه الاحتياط لدينها؛ ذلك لأنَّ سبب الوجوب لم ينعقد عليها بسببِ عدمِ العلم وانقضاءِ وقت الخطاب، قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «الأحوالُ المانعة مِنْ وجوب القضاء للواجب والتركِ للمحرَّم: الكفرُ الظاهرُ، والكفرُ الباطن، والكفر الأصليُّ، وكفرُ الرِّدَّة، والجهلُ الذي يُعْذَرُ به لعدمِ بلوغ الخطاب، أو لمعارضةِ تأويلٍ باجتهادٍ أو تقليدٍ»(٣) اﻫ.

وهذا، بخلاف الناسي والنائم والمخطئ ومَنْ في حكمِهم ممَّنْ تَرَك الواجبَ المقيَّد بالوقت فإنه يسقط الإثمُ عنهم إجماعًا(٤)، ويجب عليهم القضاءُ لسَبْقِ عِلْمِهم بالحكم الشرعيِّ المتمثِّل في الوجوب الذي انعقد عليهم ومَنَع منه مانعُ النوم أو النسيان، أو مَنَعَ مِن تمامه مانعُ الخطإ، ما لم يَرِدْ دليلٌ خاصٌّ يُسْقِط عنهم القضاءَ كما هو الشأنُ في الصوم، فقد استُثني حكمُه بما ثَبَت مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ»(٥)، وفي روايةٍ: «مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ»(٦).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٩ رمضان ١٤١٨ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٧ جانفي ١٩٩٨م

 


(١) أخرجه ابنُ ماجه في «الصيام» بابُ ما جاء في كفَّارةِ مَنْ أفطر يومًا مِنْ رمضان (١٦٧١) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ بمجموع طُرُقِه في «الإرواء» (٩٤٠).

(٢) أخرجه أبو داود في «الصوم» بابُ كفَّارةِ مَنْ أتى أهلَه في رمضان (٢٣٩٣) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح أبي داود» (٢٠٧٣).

(٣) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٢/ ٢٣).

(٤) «مذكِّرة الشنقيطي» (٤٨).

(٥) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الأيمان والنذور» باب: إذا حَنِث ناسيًا في الأيمان (٦٦٦٩)، ومسلمٌ في «الصيام» (١١٥٥)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.

(٦) أخرجه ابنُ خزيمة (١٩٩٠)، وابنُ حبَّان (٣٥٢١)، والدارقطنيُّ (٢٢٤٣)، والحاكم (١٥٦٩)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وحسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦٠٧٠).