حكمُ كسوةِ جُدرانِ البيوتِ بالورَق لغرض الزِّينة | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
السبت 18 شوال 1445 هـ الموافق لـ 27 أبريل 2024 م

الفتوى رقم: ١٣٦٥

الصنف: فتاوى اللباس والزِّينة

حكمُ كسوةِ جُدرانِ البيوتِ بالورَق لغرض الزِّينة

السؤال:

هل يجوزُ كِسوةُ الجدرانِ بالوَرَقِ المصنَّعِ للبيوتِ قَصْدَ الزِّينةِ، وهي ما تقومُ مَقامَ الدَّهنِ بالطِّلاءِ والصَّبغِ بالألوانِ، وتكونُ كسوةُ الجُدرانِ خاليةً مِنَ الصُّوَر المُحرَّمةِ كذواتِ الأرواحِ، أو صُوَرٍ للنِّساءِ، أو مِنْ رموزٍ كفريَّةٍ ونحوِ ذلك؟ بُورِكْتم.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فقد جاء في الحديث عن عائشةَ رضي الله عنها تُخبِر عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالت: «رَأَيْتُهُ خَرَجَ فِي غَزَاتِهِ، فَأَخَذْتُ نَمَطًا(١) فَسَتَرْتُهُ عَلَى الْبَابِ، فَلَمَّا قَدِمَ فَرَأَى النَّمَطَ عَرَفْتُ الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِهِ، فَجَذَبَهُ حَتَّى هَتَكَهُ أَوْ قَطَعَهُ، وَقَالَ: «إِنَّ اللهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ الْحِجَارَةَ وَالطِّينَ»؛ قَالَتْ: فَقَطَعْنَا مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ وَحَشَوْتُهُمَا لِيفًا، فَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلَيَّ»(٢).

والوَرَقُ المزيِّنُ للبيوت الذي يُوضَع على الجدران هو في ذاته ليس ثوبًا، لأنَّ الكسوةَ(٣) هي الثَّوبُ ونحوُه الذي يُستَرُ ويُحلَّى به؛ ويكون مصنوعًا مِنْ صُوفٍ أو قُطنٍ أو حريرٍ أو قُماشٍ أو نحوِ ذلك، مثل القميص والسِّروال والجُبَّةِ والإزار والرِّداء والسِّتار والغِطاء والفِراش والبِساط ونحوِها؛ ويدخلُ في معنى الكسوةِ في الحديثِ: البيوتُ المكسوَّةُ بالزَّرابيِّ ذاتِ الأشكالِ والألوانِ المعلَّقةِ على الجدرانِ، أو قاعاتُ الشَّايِ والمأكولاتِ الشَّعبيَّةِ المغطَّاةُ بالخيمةِ على سقفِها ومحيطِ جدرانِها، ونحوُها.

والورَقُ ليس ـ في الحقيقة ـ مِنَ الثِّياب أو الكسوةِ؛ اللَّهمَّ إلَّا إذا أُطلِقَ عليه أنَّه كسوةٌ مجازًا، لأنَّه لا يُعلَم أنَّ الكسوةَ تكون مِنَ الورقِ، ولا يُتصوَّر أَنْ يَلبَسَ الإنسانُ ثوبًا مِنْ ورقٍ أو أَنْ يُسمَّى تغليفُه الشَّيءَ بالورقِ أو إدراجُه فيه: كسوةً؛ ولو سُلِّم جدلًا أنَّ الورقَ الملوَّنَ يدخل في مسمَّى الكسوة فغايةُ ما يدلُّ عليه الحديثُ هو الكراهةُ التنزيهيَّةُ(٤)، لأنَّ حقيقةَ لفظِ: «لَمْ يَأْمُرْنَا» لا يقتضي تحريمًا، وليس في معنى الوجوب، وأَقرَبُ حكمٍ إليه هو الكراهةُ؛ وقد تَنتفي الكراهةُ عند قيامِ الحاجةِ إلى ستائرَ مِنْ قُماشٍ موضوعةٍ على النَّوافذِ ـ مثلًا ـ قصْدَ سَترِ البُيوتِ مِنَ البَصرِ أو حجبِ الضَّوءِ مِنَ الدُّخولِ وما إلى ذلك مِنَ الحاجاتِ، قال النَّوويُّ ـ رحمه الله ـ: «وأمَّا قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم حِينَ جَذَبَ النَّمَطَ وأَزَالَه: «إِنَّ اللهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ الْحِجَارَةَ وَالطِّينَ» فاسْتَدَلُّوا به على أنَّه يُمنَعُ مِنْ سَتْرِ الحيطان وتَنجيدِ البيوت بالثياب(٥)، وهو منعُ كراهةِ تنزيهٍ لا تحريمٍ؛ هذا هو الصَّحيحُ؛ وقال الشَّيخُ أبو الفتحِ نصرٌ المَقدِسيُّ مِنْ أصحابِنا: هو حرامٌ؛ وليس في هذا الحديثِ ما يَقتضِي تحريمَه؛ لأنَّ حقيقةَ اللَّفظِ: أنَّ اللهَ تعالى لم يَأمُرْنا بذلك، وهذا يَقتضِي أنَّه ليس بواجبٍ ولا مندوبٍ، ولا يَقتضي التَّحريمَ، واللهُ أَعْلَمُ»(٦)، لكِنْ مع ذلك إذا كان في البيتِ الذي يُرادُ تزيينُه بالورقِ تبذيرٌ أو إسرافٌ أو مُغالاةٌ، أو كان البيتُ ضيِّقًا بحيث قد يتسبَّبُ تغليفُه أو طِلاؤُه في أمراضٍ ناجمةٍ عن قلَّةِ التَّهويةِ إذا ما استُعمِل في طِلَائها الدُّهنُ الزَّيتيُّ أو الورقُ المصنَّعُ، الأمرُ الذي يؤدِّي إلى الإصابةِ بأزماتٍ تنفُّسيَّة، فإِنْ كان الأمرُ كذلك حقيقةً فيُمنعُ مِنِ استعمالِه إمَّا لِعِلَّةِ الإسرافِ أو بسببِ الضَّررِ لا لذاتِه، فلذلك قد يتغيَّر الحكمُ الأصليُّ، فيصيرُ  محرَّمًا بحسَبِ الحال.

وحريٌّ بالتَّنبيهِ: أنَّ هذا الحكمَ لا يَشمَلُ بيوتَ اللهِ لورودِ النَّهيِ عن زَخرفةِ المساجدِ، ويدخلُ في معناها مواضعُ صلاةِ الرَّجلِ في بيتِه، وبالأخصِّ ما كان قُبالةَ قِبلَتِه بحيث تَشغَلُه الأشكالُ أو تُلهيه الألوانُ عن الخشوعِ في الصَّلاةِ بالتَّزويق والبريقِ والزَّركشةِ(٧).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٥ ربيع الآخِر ١٤٤٥ﻫ
المُـوافـق ﻟ: ٠٩ نوفمبر ٢٠٢٣م



(١) النَّمَط في هذا الحديثِ وفي حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما «أنَّه كان يجلِّل بُدْنَه الأنماطَ» [أخرجه مالكٌ في «الموطَّإ» ـ ت.الأعظمي ـ (١٤٠٨)، وابنُ أبي شيبة في «المصنَّف» ـ ت.عوامة ـ (١٦٠٦٦)، وصحَّح إسنادَه الأرناؤوط في تحقيق «جامع الأصول» (٣/ ٣٨٣)]: هو ضربٌ مِنَ البُسُط (جمع بساطٍ) له خَمْلٌ رقيقٌ؛ [انظر: «النِّهاية» لابن الأثير (٥/ ١١٩)].

(٢) أخرجه مسلمٌ في «اللِّباس والزِّينة» (٢١٠٧) باب: لا تدخلُ الملائكةُ بيتًا فيه كلبٌ ولا صورةٌ.

(٣) الْكِسْوَةُ ـ بِضَمِّ الكافِ وكسرِها ـ فِي اللُّغَةِ: يُطلَقان على مصدرِ: كَسَا فلانًا يَكسُوه كَسْوًا وكسوةً إذا أَلبسَه ثوبًا: يتعدَّى إلى مفعولَيْن، وعلى الثَّوْبِ يُسْتَتَرُ بِهِ وَيُتَحَلَّى: لُغَتان في المصدر وفي الشيء المكسوِّ به، والكِسَاءُ: اللِّبَاسُ، والجمعُ أَكْسِيَةٌ، يُقَال: كَسَوْتُهُ ثَوْبًا إذا أَلْبَسْتُهُ، والكَاسِي خِلافُ العَارِي، وجَمعُهُ: كُسَاةٌ، ومِنْهُ قوْلُهُم: أَمَّ قَوْمًا عُرَاةً وكُسَاةً؛ [انظر: «لسان العرب» لابن منظور (١٥/ ٢٢٣)، «فُتوح الغيب في الكشف عن قناع الرَّيب (حاشية الطِّيبي على الكشَّاف)» (٥/ ٤٧٠)، «المصباح المنير» للفيُّومي (٢/ ٥٣٤)، «الموسوعة الفقهيَّة الكويتيَّة» (٣٤/ ٢٥٠)].

(٤) ومِنْ أهلِ العلمِ مَنْ يرى حُرمةَ سَتْرِ الجُدرانِ بالقُماشِ، قال الصَّنعانيُّ ـ رحمه الله ـ في [«سُبُل السَّلام» (٢/ ٢٢٩)]: «وأَخرجَ أحمدُ فِي «كتاب الزُّهدِ» أنَّ رجلًا دعا ابنَ عمرَ إلى عُرسٍ فإذا بَيتُهُ قد سُتِرَ بالكُرورِ فقال ابنُ عُمَرَ: «يَا فُلَانُ، مَتَى تَحَوَّلَتِ الْكَعْبَةُ فِي بَيْتِك؟»، ثمَّ قال لنفَرٍ معهُ مِنْ أصحابِ محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِيَهْتِكَ كُلُّ رَجُلٍ مَا يَلِيهِ»؛ والحديثُ وما قبلهُ دليلٌ على تحريمِ سَترِ الجُدرانِ... والمسألةُ فيها خِلافٌ: جَزَمَ جماعةٌ بالتَّحريمِ لِسَترِ الجدارِ، وجمهورُ الشَّافعيَّةِ على أنَّهُ مكروهٌ».

(٥) تنجيدُ البيوتِ بالثِّياب هو تزيينُها بها؛ ويُسمَّى عامِلُ ذلك الشَّيء: نَجَّادًا؛ [انظر: «غريب الحديث» لأبي عُبَيْدٍ (٣/ ١١٣)].

(٦) «شرح مسلم» للنووي (١٤/ ٨٦).

(٧) انظر الفتوى رقم: (1324) الموسومة ﺑ: «في حُكم فَرْشِ المسجد بسجَّادٍ أحمرِ اللَّون» على الموقع الرسميِّ.