في الخلع وما يخالف فيه الطلاق | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الخميس 8 رمضان 1444 هـ الموافق لـ 30 مارس 2023 م

الفتوى رقم: ٨٨٧

الصنـف: فتاوى الأسرة ـ انتهاء عقد الزواج ـ الخُلع

في الخلع وما يخالف فيه الطلاق

السـؤال:

اختلعت امرأةٌ من زوجها، وقد أصدرت المحكمة حُكمًا بالتطليق عن طريق الخُلع محتويًا آثارَ الطلاق، فهل ثَمَّة فَرْقٌ بينهما؟ وهل لهما نفس الأحكام؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

فالخلعُ قد يكون بتراضي الزوج والزوجة عليه على أَنْ يكون الخُلع على عِوضٍ يصلح جعله صَداقًا، فإِنْ تعذَّر التراضي بينهما فإنَّ للقاضي إلزامَ الزوج بالخُلع إن كان الخلع على عوضٍ ـ كما تقدَّم ـ، ويدلُّ عليه حديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الكُفْرَ فِي الإِسْلَامِ»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟» قَالَتْ: «نَعَمْ»، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْبَلِ الحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً»»(١)، فإنَّ ثابتًا وزوجتَه رَفَعَا أمرهما إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، وألزمَهُ الرَّسول صَلَّى الله عليه وسَلَّم بأن يقبل الحديقةَ ويُطلِّق.

هذا، وجمهورُ العلماء يَعُدُّون الخلعَ طلاقًا بائنًا؛ خِلافًا لمن عَدَّه فُرقةً بائنةً وليس طلاقًا(٢)؛ وهو الصحيحُ لمخالفته للطلاق مِن عِدَّة وجوهٍ، منها:

·  أنَّ الزوج في الطلاق أحقُّ بالرجعة فيه، أمَّا الخلعُ فقد ثبت بالنصِّ والإجماع أنه لا رجعةَ فيه.

·  كما أنه ثبت بالسُّنَّة وأقوال الصحابة أنَّ العِدَّة في الخُلْعِ حيضةٌ واحدةٌ، بينما العِدَّة في الطلاق ثلاثةُ قروءٍ.

·  والخلع ثبت بالنصِّ جوازُه لوقوعه بعد طلقتين ووقوعِ الثالثة بعده، بينما الطلاق محسوبٌ من الثلاث، وحكمُه أنه لَا ﴿ تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥ[البقرة: ٢٣٠].

ومِن هنا كانت أحكام الطلاق مُبايِنةً لأحكام الفسخ ومُنتفيةً عنه.

هذا، ويجدر التنبيه إلى أنَّ المرأة إذا قالت لزوجها: «اخْلَعْنِي» فقال: «قد خَلَعْتُكِ» ولم يكن هذا الخُلعُ على عِوضٍ يَصلحُ جعلُه صَداقًا فإنَّ الخلع بلا عوضٍ لا يقع صحيحًا على الرَّاجح من قولَيِ العلماء، وهو مذهب الشافعي، والرواية الأخرى عن أحمد وهو اختيار ابن تيمية(٣)، استنادًا إلى قوله تعالى: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ[البقرة: ٢٢٩]، فعلَّق الله الخُلعَ على مُسمَّى الفِدية، وقولِهِ صَلَّى الله عليه وسَلَّم لامرأة ثابت بنِ قَيسٍ رضي الله عنهما في الحديث المتقدِّم: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟» قالت: «نعم»، فَأَمَرَهُ بِطَلَاقِهَا، فدلَّ ذلك على أنَّ العوض خرج مخرجَ الشَّرط في صِحَّة الخُلع؛ خلافًا لمذهب الحنفية والمالكية فيصحُّ الخُلعُ ـ عندهم ـ بلا عِوضٍ؛ والأوَّل أصحُّ؛ لأنَّه لا يُعلَم في كتابِ الله وسُنَّةِ رسوله صَلَّى الله عليه وسَلَّم ما يَدلُّ على صِحَّة الخُلع بدون عوضٍ.

وبناءً عليه، فإِنْ خالع زوجٌ زوجتَه بنِيَّةِ الطَّلاق وبلا عِوضٍ فيقع الطلاقُ كنائيًّا، تترتَّب عليه أحكام الطلاق، وإن خالعها بعوضٍ فإنه يقع خُلْعًا تترتَّب عليه أحكامُه، وإن خالعها ولم ينوِ لَا طَلاقًا ولَا أَخْذَ عِوَضٍ لم يقع شيئًا.

فهذا ما تقرَّر فِقهًا، والمعتبَر ـ قضاءً ـ ما تجري عليه محاكم الأحوال الشخصية، ولعلَّ المحاكم القضائية الحالية مالت إلى مذهب الحنفية والمالكية وروايةٍ عن أحمدَ في القول بصِحَّة الخُلْع من غير عِوضٍ، ورتَّبت عليه أحكامَ الطَّلاق.

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٣٠ ربيع الأول ١٤٢٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٦/ ٠٤/ ٢٠٠٨م



(١) أخرجه البخاريُّ في «الطلاق» باب الخُلعِ وكيف الطلاقُ فيه؟ (٥٢٧٣)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

(٢) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٣٢/ ٣٠٩).

(٣) انظر: «المغني» لابن قدامة (٧/ ٥٢)، «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٣٢/ ٣٠٤)، «مغني المحتاج» للشربيني (٣/ ٢٦٨)، «الشرح الكبير» للدردير ومعه «حاشية الدسوقي» (٢/ ٣٥١)، «جواهر الإكليل» للأبي (١/ ٣٣٢).