في اشتباه المطلق بالعام | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
الجمعة 10 شوال 1445 هـ الموافق لـ 19 أبريل 2024 م

في الصفحة [٧٥] من «الفتح المأمول» عند قوله تعالى: ﴿فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: ٣٨]، قلتم: اليد مُطلقة، وليس كذلك؛ لأنها معرفة، والإطلاق من شأن النكرة؛ لذلك قال أهل اللغة: إنَّ النكرة تتعرف أو ... للمزيد

الفتوى رقم: ٩٦١

الصنـف: فتاوى الأصول والقواعد - أصول الفقه

في اشتباه المطلق بالعام

السـؤال:

في الصفحة [٧٥] من «الفتح المأمول» عند قوله تعالى: ﴿فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: ٣٨]، قلتم: اليد مُطلقة، وليس كذلك؛ لأنها معرفة، والإطلاق من شأن النكرة؛ لذلك قال أهل اللغة: إنَّ النكرة تتعرف أو تقترب من التعريف إذا خُصِّصت أو عُمِّمت، وأيضًا فإنَّ دلالتهما على الكفِّ والساعد والعضد، وعلى الكفِّ وحده من باب المشترك، لا من باب المُطلق فيمكن العمل به بدون تقييده، والله أعلم.

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

فاعلم أنَّ المطلق هو: «مَا دَلَّ عَلَى مَاهِيَةِ الشَّيْءِ بِلاَ قَيْدٍ مِنْ وِحْدَةٍ أَوْ كَثْرَةٍ»، هذا إذا ما روعيت ماهيته، أمَّا إذا روعيت أفراده فالمطلق هو: «مَا دَلَّ عَلَى وَاحِدٍ شَائِعٍ مِنْ جِنْسِهِ»، وكلاهما مُعتَبَرٌ في المطلق، وعلى هذا الأساس فإنَّ النكرة قد تكون من قبيل المطلق وقد لا تكون، والمعرفة قد تكون من قبيل المطلق وقد لا تكون منه، فَبَيْنَ النكرة والمطلق عمومٌ من وجهٍ لتصادقهما في نحو «رقبة» كما في قوله تعالى: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [المجادلة: ٣]، ويفترقان في أنَّ النكرة تنفرد عن الإطلاق فيما دخلته أداة العموم نحو «كلّ رجل، أو لا رجل» وينفرد المطلق فيما إذا دخلت عليه «أل» الدالة على الجنس لا الاستغراق(١)، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾ [العنكبوت: ٤٥].

هذا، ويخرج ممَّا تقدَّم من تعريف المطلق المحترزات التالية:

- جميع ألفاظ العموم الدالة على استغراق الأفراد المتناولة لها، فهي لا تدل على فردٍ شائعٍ في الجنس -كما هو حال المطلق- لا مباشرة ولا عن طريق الدلالة عن الماهية.

ولهذا أقام العلماء الفرق بين العامِّ الذي عمومُه شمولي، والمطلق الذي عمومه بَدَلي، و«الأيدي» في الآية مطلقة عن تقييد لدلالتها على الماهية التي تصدق على فردٍ شائعٍ في الجنس، وهي إمَّا الكفّ أو المرفق أو المنكب أو اليمنى أو اليسرى لا على وجه الشمول، وإنما على جهة البدل.

قال الشوكاني: «والفرق بين عموم الشمول وعموم البدل، أنَّ عُموم الشمول كُلِّي يحكم فيه على كُلِّ فردٍ فردٍ، وعموم البدل كُلِّي من حيث إنه لا يمنع تصور مفهومه من وقوع الشركة فيه، لكن لا يحكم فيه على كلِّ فرد فرد، بل على فردٍ شائعٍ في أفراده يتناولها على سبيل البدل، ولا يتناولها أكثر من واحد منها دفعة»(٢).

- المعارف التي تتناول أفرادًا معيَّنةً لا شائعة(٣) نحو: زيد، أو تلك التي دخلتها «أل» للاستغراق، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ ...﴾ الآية [الأحزاب: ٣٥]، أو التي للعهد مثل قوله تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً، فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ﴾ [المزّمِّل: ١٥، ١٦]، فلا يعُمُّ مع قرينة العهد اتفاقًا؛ لأنه يصرفه إلى ذلك فلا يَعُمُّ إذا عرف.

- ويخرج -أيضًا- من تعريف المطلق الألفاظ التي تدلُّ على فردٍ شائعٍ في النوع لا في الجنس، نحو قولك: «صوم النفل»، فإنَّ كلمة الصوم تدلُّ على فردٍ شائعٍ في نوع النفل لا في جنس الصيام، فهذا التقييد يخرجه من الإطلاق الكلي المعني بالتعريف إلى الإطلاق الإضافي.

وأمَّا إقحام صورة المسألة في باب المشترك فغايةٌ في البعد؛ لأنَّ لفظ المشترك موضوع للدلالة على معنيين أو معانٍ مختلفة بأوضاع متعدِّدة، كلفظ العين فإنه يُطلق على الباصرة، وعين الشمس، وينبوع الماء، والجاسوس، والمال الناض، وعلى السحاب ينشأ من قبل القبلة، وقد وضع لكلٍّ منها بوضعٍ واحدٍ، قال السيوطي: «وقد حَدَّه أهلُ الأصول بأنه اللفظ الواحد الدالُّ على معنيين دلالة واحدة فأكثر دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة»(٤).

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٤ رجب ١٤٢٩ﻫ
الموافق ﻟ: ١٧/ ٠٧/ ٢٠٠٨م


(١) انظر: «فواتح الرحموت» للأنصاري: (١/ ٣٦٠).

(٢) «إرشاد الفحول» للشوكاني: (١١٤).

(٣) ويستثنى من المعارف الاسم الذي دخلته أداة جنس، وإن عارض الاستغراق عرف أو احتمال تعريف جنس لا يعم، كقولهم: من أكره على الطلاق، أو إذا عقل الصبي الطلاق، وأشباه هذا ممَّا يراد به الجنس، ولا يفهم منه الاستغراق. [«شرح الكوكب المنير» للفتوحي: (٣/ ١٣٢)].

(٤) «المزهر» للسيوطي: (١/ ١٧١).