في الاعتراض على عدمِ ورودِ لفظةِ «نوايا» في معاجم اللغة القديمة | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
السبت 18 شوال 1445 هـ الموافق لـ 27 أبريل 2024 م

استشكل على البعض أمرٌ وهو ورودُ لفظِ «النوايا» في عِدَّةِ مواضعَ مِنْ فتاويكم ومؤلَّفاتِكم واعترض البعضُ أنَّ جَمْعَ نيَّةٍ هو نيَّاتٌ وليس نَوَايَا؛ وهذا على ما ثبَتَ في الأحاديث المرفوعة،...  للمزيد

الفتوى رقم: ١٣٤٨

الصنف: فتاوى متنوِّعة ـ ألفاظٌ في الميزان

في الاعتراض على
عدمِ ورودِ لفظةِ «نوايا» في معاجم اللغة القديمة

السؤال:

استشكل على البعض أمرٌ وهو ورودُ لفظِ «النوايا» في عِدَّةِ مواضعَ مِنْ فتاويكم ومؤلَّفاتِكم واعترض البعضُ أنَّ جَمْعَ نيَّةٍ هو نيَّاتٌ وليس نَوَايَا؛ وهذا على ما ثبَتَ في الأحاديث المرفوعة، وكذا ما ذهَبَ إليه أهلُ اللَّغة، فهل مِنْ توجيهٍ ـ شيخَنا ـ لهذا الاستشكال؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فهذه اللَّفظةُ ـ في الحقيقة ـ إنَّما ورَدَتْ عَرَضًا مرَّةً واحدةً في مقدِّمةِ تحقيقي ﻟ «مفتاح الوصول» (ص ٧) في أثناء كلامٍ منقولٍ لغيري وهو: د. سليمان دنيا ـ رحمه الله ـ، ووردَتْ على موقعي في بعضِ الموادِّ مرَّةً ـ أيضًا ـ في كُلِّ مادَّةٍ(١) على ما هو جارٍ في اللِّسانِ وشائعٌ في الاستعمالِ عند الكُتَّاب المتأخِّرين وجوَّزَه مجمعُ اللُّغَةِ العربيَّةِ وورَدَ في بعضِ المَعاجِم اللُّغَويَّة الحديثة كما سيأتي بيانُه لاحقًا.

وأمَّا ما ذكرتُه في مؤلَّفي «تقريب الأفهام»(٢) فهو خالٍ مِنْ هذه اللَّفظة، حيث لمَّا حقَّقْتُ المعنى اللُّغَويَّ والاصطلاحيَّ لكلمةِ «النِّيَّةِ» لم تَرِدْ هذه اللَّفظةُ في ثناياها لاقتصاري في مراجع الفقرة على المعاجم القديمة، حيث جاء نصُّ الفقرة على ما يأتي:

[النِّيَّة ـ في الاشتقاق اللغويِّ ـ مصدرُ «نَوَى الشيءَ ينويه نِيَّةً ونَوَاةً»، وأصلُها «نِوْيَة» بكسر النُّون وسكونِ الواو، ووزنُها فِعْلَة، اجتمعَتِ الواو والياء وسُبِقَتْ إحداهما بالسُّكون فقُلِبَتِ الواوُ ياءً وأُدغِمَتْ في الياء(٣)، والنِّيَّة ـ وإِنْ كانت مصدرًا ـ فإنَّها تُجمَع على نِيَّاتٍ باعتبارِ تنوُّعها.

والنِّيَّة ـ في مدلولها اللُّغويِّ ـ تدور على القصد؛ قال ابنُ فارسٍ ـ رحمه الله ـ: «[نَوَى] الأمرَ يَنوِيه إذا قَصَد له؛ وممَّا يُصحِّحُ هذه التآويلَ قولُهُم: نَوَاه اللهُ كأنه قَصَده بالحفظ والحياطة؛ قال:

يَا عَمْرُو أَحْسِنْ ـ نَوَاكَ اللهُ بِالرَّشَدِ ـ **** وَاقْرَأْ سَلَامًا عَلَى الذَّلْفَاءِ بِالثَّمَدِ(٤)

أي: قَصَدَك بالرَّشَد؛ والنِّيَّةُ: الوجه الذي تَنْويه؛ ونَوِيُّك: صاحبُك نِيَّتُهُ نِيَّتُكَ»(٥)].

علمًا أنَّ لفظةَ «نوايا» وردت في كُتُبٍ قديمةٍ مِنْ غيرِ معاجمِ اللُّغةِ، ويمكن الاقتصار ـ في هذا المقام ـ على ما أراد به مُستعمِلُها معنَى جمعِ النيَّة وإلَّا فقد وردت في «الخصائص» لابنِ جنِّيٍّ وغيرِه لكِنْ بغير ذلك المعنى؛ قال الجُوينيُّ ـ رحمه الله ـ «ثمَّ خرَّجوا هذا على تطريق الكنايات إلى ‌النَّوايا بالطلاق، وقالوا: عِمادُ الخُلعِ الطلاقُ، فإذا كان لا يمتنع انعقادُ الخُلع بما هو كنايةٌ في الطلاق تعويلًا على النِّيَّة، فكذلك البدلُ إذا ثبَتَ ثبوتُ الكناية لم يَبعُد إتمامُه بالقصد والنِّيَّة»(٦)، وقال ابنُ تيميَّة ـ رحمه الله ـ: «وهذا الوجه تختاره طائفةٌ مِنْ متكلِّمي أهل الحديث المائلين إلى الإرجاء كالأشعريِّ وغيرِه ممَّنْ يقول بالاستثناء ولا يُدخِل الأعمالَ في مسمَّى الإيمان، فيجعل الاسثثناءَ [لا] يعود إلَّا إلى ‌النَّوايا فقط»(٧)، وفي «الفتح الربَّانيِّ مِنْ فتاوى الشوكاني»: «لفظُ سؤالٍ ورَدَ على القاضي العلَّامة عِزِّ الإسلام محمَّد بنِ عليٍّ الشوكانيِّ ـ حماه الله ـ، مِنْ بعضِ تلاميذه في شهرِ محرَّمٍ الحرام سَنَةَ: (١٢٥١). وهو: اللهُ يحفظكم، ويبارك في عُمركم، ويكتب ‌نواياكم، وأفضلُ السلامِ عليكم ورحمةُ الله»(٨).

وأمَّا في العصر الحديث فقد درجَتْ في الاستعمال وأَقرَّها مجمعُ اللُّغة العربيَّةِ بمصر واعتمدتها كثيرٌ مِنَ المعاجم، وقد تتابع على استعمالها كثيرٌ مِنَ الكُتَّاب، فقَدِ استعملها القاسميُّ (ت: ١٣٣٢ﻫ) في «تفسيره»، وهي كذلك في «المذكِّرات السياسيَّة» للسلطان عبد الحميد الثاني العثمانيِّ (ت: ١٣٣٦ﻫ) إِنْ كان هو مَنْ حرَّرها بالعربيَّة، وإلَّا فمَنْ ترجمها مِنَ التُّركيَّة وقد يكون ذلك في حياة السُّلطان، وهي مُستعمَلةٌ بكثرةٍ في «مجلَّة المَنار» لمحمَّد رشيد رضا (ت: ١٣٥٤ﻫ)، وعند ابنِ باديس (ت: ١٣٥٩ﻫ)، والطاهر بن عاشور (ت: ١٣٩٣ﻫ)، وعطيَّة محمَّد سالم (ت: ١٤٢٠ﻫ) في «تتمَّة أضواء البيان»، ووردت في كلام ابنِ بازٍ (ت: ١٤١٩ﻫ) والألبانيِّ (ت: ١٤٢٠ﻫ) وابنِ العثيمين (ت: ١٤٢١ﻫ)، والأخيران استعملاها في مؤلَّفاتِهما وكلامِهما أكثرَ ممَّا استعملتُها فضلًا عن غيرهما.

هذا، وقال أحمد مختار عمر في «مُعجَم اللغة العربيَّة المعاصرة» ما يلي:

«نِيَّة [مفرد]: ج نيَّات [لغير المصدر] ونَوَايا [لغير المصدر]

١ ـ مصدر نوَى/  نوَى على.

٢ ـ توجُّه النَّفس نحو العمل مع إرادةٍ ورغبةٍ وتصميمٍ على القيام به، بُغية، مرام؛ سافر إلى مكَّةَ بنيَّة الحجِّ ـ كشف عن نوايا الحكومة ـ إِنَّمَا العَمَلُ بِالنِّيَّةِ [حديث]»(٩).

وقال في مواضِعَ أخرى متفرِّقةٍ مِنْ كتابه: «سبَرَ فلانًا: خَبِرَه لِيَعرِفَ ما عنده ويحدِّد نواياه أو دوافعَه الحقيقيَّةَ... استشفَّ نوايا فلانٍ: تبيَّن، نفَذَ إلى دخائل نفسِه وأدرك كُنهَها... تَمظهَرَتْ نواياه في حديثه: بَدَا ذلك في حركتها وتمظهُرِها... إظهار النَّوايا بخصوص مسألةٍ ما: أوضح موقِفَه مِنَ المبادرة»(١٠).

وقال أحمد مختار عمر ـ أيضًا ـ ومَنْ معه في «مُعجَم الصَّواب اللُّغويِّ»: «‌‌٥١٢٢ ـ ‌نَوَايا. ‌‌الجذر: ن وي. ‌‌مثال: ‌النَّوايا الحسنة لا تكفي. ‌‌الرأي: مرفوضة. ‌‌السبب: لأنَّ هذا الجمعَ لم يَرِدْ عن العرب. ‌‌المعنى: جمع «نِيَّة» بمعنى قَصْد. ‌‌الصواب والرتبة: ـ النِّيَّات الحسنة لا تكفي [فصيحة] ـ ‌النَّوايا الحسنة لا تكفي [صحيحة].

‌‌التعليق: تُجْمع كلمةُ «نيَّةٍ» على «نيَّات»، ولكِنْ أجاز مجمعُ اللُّغة المصريُّ جَمْعَها على «‌نوايا» حَمْلًا لها على «طَوَايَا» في جمع «طويَّة» التي ترتبط بكلمةِ «نيَّة» في الدلالة، وحملًا ـ أيضًا ـ على نظائرَ أخرى كثيرةٍ جُمِعَتْ فيها «فِعْلة» على «فعائل»، وقد أجاز عددٌ مِنَ المعاجم الحديثةِ هذا الجمعَ كالأساسيِّ والمُنجِد»(١١).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١١ مِنَ المحرَّم ١٤٤٥ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٩ يـــوليــو ٢٠٢٣م



(١) الموادُّ التي وردت هذه اللَّفظة في موقعي هي:

الفتوى (١٠٦): «في حكم المال المُكْتسَبِ مِنَ التأمين على الحياة» المطبوعة في «مجلَّة الإحياء» العدد ١٣.

والفتوى (٨٤٧): «في موقف المسلم مِنَ الجهات المموِّلة لِمشاريع الفساد» المطبوعة في «الإحياء ٣٢».

والفتوى (١٠٨١): «في العوامل المساعدة على تثبيت القرآن وعدم نسيانه»: المطبوعة على شكلِ مطويَّةٍ.

والفتوى (١١٥١): «في نفي رجوع المستثنيات على القواعد بالبطلان» المطبوعة في «الإحياء ٧» وكتابَيِ «الإرشاد» و«المجالس».

والكلمة الشهرية (١٩): «الإخلاص: بَرَكةُ العلم وسِرُّ التوفيق» المطبوعة في رسالة مُستقِلَّةٍ وفي رسالة «عُدَّة الداعية».

وفي وقائع وتوجيهات رقم: (١٨): «نصيحة وتحذير».

(٢) انظر: العدد ٢٩ مِنْ «مجلَّة الإحياء».

(٣) انظر: «منتهى الآمال» للسيوطي (٨١).

(٤) وفي «لسان العرب» لابن منظور (١٤/ ٣٤٤): «واقْرَا السَّلَامَ عَلَى الأَنْقَاءِ والثَّمَدِ».

(٥) «مقاييس اللغة» لابن فارس (٥/ ٣٦٦). وانظر المبحث الأوَّل: في معنى النِّيَّة في اللغة والاصطلاح مِنْ مؤلَّفي: «تقريب الأفهام إلى ما في مباحث النِّيَّة مِنَ الأحكام»، في «مجلة الإحياء» العدد (٢٩).

(٦) «نهاية المطلب» للجويني (١٣/ ٣٥٨).

(٧) «الاستقامة» لابن تيمية (١/ ١٥٠).

(٨) «الفتح الرَّبَّاني مِنْ فتاوى الإمام الشوكاني» (١١/ ٥٣٩١).

(٩) «مُعجَم اللغة العربيَّة المعاصرة» لأحمد مختار عمر (٣/ ٢٣١١).

(١٠) المصدر السابق (٢/ ١٠٢٥، ١٢١٨، ٣/ ٢١٠٩، ٢٤٨٥).

(١١) «مُعجَم الصواب اللُّغويِّ» لأحمد مختار عمر (١/ ٧٧٠).