فصل [في نسخ العبادة بمثلها أو ما هو أخفّ منها أو أثقل] | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
Skip to Content
السبت 11 شوال 1445 هـ الموافق لـ 20 أبريل 2024 م



فصل
[في نسخ العبادة بمثلها أو ما هو أخفّ منها أو أثقل]

•  قال الباجي -رحمه الله- في [ص ٢٦٠]:

«يَجُوزُ نَسْخُ العِبَادَةِ بمِثْلِهَا وَمَا هُوَ أَخَفُ مِنْهَا وَأَثْقَلُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ، وَمَنَعَ قَوْمٌ نَسْخَ العِبَادَةِ بمَا هُوَ أَثْقَلُ مِنْهَا».

[م] اتفق العلماءُ على جواز نسخ العبادة بمثلها أو أخفّ منها، ونقل المصنِّف الإجماعَ في: «إحكام الفصول»(١)، ومثال نسخ الحكم ببدل هو مثل المنسوخ في التخفيف والتثقيل والتشديد، كنسخ استقبال بيت المقدس بالكعبة، ومثال نسخ الحكم ببدل هو أخف من المنسوخ: نسخ عِدّة المتوفى عنها زوجها من الحول إلى أربعة أشهر وعشرة أيام، وكلا النسخين متّفق عليهما، وذلك موافق لقوله تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا[البقرة: ١٠٦].

أمَّا نسخ العبادة بما هو أثقل منها فهو محلّ خلافٍ بين أهل العلم، والجمهورُ على جوازه عقلًا وشرعًا، وقول المصنِّف: «ومنعَ قومٌ نسخَ العبادةِ بما هو أثقلُ منها» فهذا المنع منسوبٌ لأبي بكر محمَّد بن داود الظاهري وجماعةٍ من الظاهرية والمعتزلةِ، وأضيف هذا القول ـ أيضًا ـ للإمام الشافعي، قال السبكي عنه في «الإبهاج»: «وليس بصحيح عنه»(٢)، ونسبه الشيرازي والآمدي وغيرهما إلى بعض الشافعية(٣).

[في دليل نسخ العبادة بما هو أثقل منها]

• قال المصنِّفُ -رحمه الله- في [ص ٢٦١] في معرض الاستدلال على مذهب الجمهور بدليل من المعقول:

«وَإِذَا جَازَ أَنْ يَبْتَدِئَ التَّعَبُدَ بمَا هُوَ أَثْقَلُ عَلَيْهِمْ مِنْ حُكْمِ الأَصْلِ، جَازَ ـ أَيْضًا ـ أَنْ يَنْسَخَ عَنْهُمْ الْعِبَادَةَ بمَا هُوَ أَثْقَلُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا».

[م] هذا دليل الجمهور من المعقول، واستدلُّوا به ـ أيضًا ـ بأنَّ مصلحة التدرّج والترقِّي من الأحكام الخفيفة إلى الثقيلة لا تمتنع عقلًا، إذ في البداية تتمرّن النفوس عليها كحدِيثي عهدٍ بالكفر حتى تتهيّأ لقَبول غيرها ممّا هو مثلها أو أثقل منها.

أمَّا الدليل الثاني فيظهر في وقوع مثل هذا النسخ، و«الوُقُوعُ دَلِيلُ الجَوَازِ» مثاله: أنَّ الصيام كان على التخيير بين الفداء بالمال والصيام في قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ[البقرة: ١٨٤] ثمَّ نسخ التخيير بتعيين الصيام في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ[البقرة: ١٨٥]، ويمكن التمثيل بمثال آخر وجهه: أنَّ في بداية أمر الدعوة إلى الله أمروا بالإعراض عن المشركين، وذلك بترك القتال، ثمَّ نسخ الحكم بإيجاب الجهاد في سبيل الله، ومعلوم أنَّ الجهاد أثقل من الإعراض(٤).

 



(١) «إحكام الفصول» للباجي (٤٠٠)، وممَّن نقل الإجماعَ ـ أيضًا ـ الآمدي في «الإحكام» (٢/ ٢٦١)، وابن الحاجب في «منتهى السول» (١٥٨)، وابن عبد الشكور في «مسلم الثبوت» (٢/ ٧١)، والشوكاني في «إرشاد الفحول» (١٨٨).

(٢) «الإبهاج» للسبكي وابنه (٢/ ٢٣٩).

(٣) انظر: «المعتمد» لأبي الحسين (١/ ٤١٦)، «الإحكام» لابن حزم (٤/ ٩٣)، «العدة» لأبي يعلى (٣/ ٧٨٥)، «التبصرة» للشيرازي (٢٥٨)، «شرح اللمع» للشيرازي (١/ ٤٩٤)، «التمهيد» للكلوذاني (٢/ ٣٥٢)، «الإحكام» للآمدي (٢/ ٢٦١).

(٤) انظر المصادر الأصولية المثبتة على هامش «الإشارة» (٢٦٢).

الزوار